الثلاثاء، نوفمبر 22، 2005

عبقرية الإيمان الواعى



كم حيرنى موقف سيدنا ربعى بن عامر موفد سيدنا سعد بن ابى وقاص قائد معركة القادسية ]13 : 16 شعبان عام 15 هـ [ إلى رستم قائد الفرس ، حين سأله رستم : مالذى جاء بكم ؟
فقال سيدنا ربعى بن عامر : " ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .

وإذا أخذنا فى الاعتبار أن سيدنا ربعى بن عامر ، لم يرد ذكره فى التاريخ إلا فى هذه القصة مما يعنى انه كان من عامة الناس الذين لايهتم التاريخ بذكر أسمائهم ، إذا أخذنا هذا فى الاعتبار ، فنحن ننظر إلى فهم ومنطق شريحة من الناس ، وليس فهم ومنطق فرد واحد موهوب معروف بالذكاء والدبلوماسية .

هذا الشرح الموجز المركز المتميز عن الإسلام ، الذى شرح الإسلام فى ثلاث جمل صغيرات لكنه أحاط بروح الإسلام واهدافه ومراميه ، ربما يعجز عنه كثير ممن يطلق عليهم مسلمون بل ومفكرون إسلاميون .

وعلى مافى هذا الشرح الموجز من إبهار ، إلا أن أقوى عناصر إبهاره – من وجهة نظرى – هى التلقائية التى قيل بها ، فلم يكن سابق التجهيز والإعداد بل كان إجابة مباشرة عن سؤال طرح فى لحظة .

فإذا كان عامة المسلمين أيامها يستوعبون معانى الإسلام بهذه الدقة ، فإن هذا يفسر لنا كيف ينطلق المسلمون الأوائل فاتحين فى شرق الأرض وغربها ، فى أسرع مرحلة تغيير حدثت فى التاريخ ، وانهيار امبراطوريتين لتخرج من بينهما فى سنوات الإمبراطورية الإسلامية .

دائما ماتكون الحركة الفاعلة نتيجة إيمان قوى ناتج عن وعى كامل بهذه الفكرة .

فحين طار المشركون إلى ابى بكر الصديق قائلين له : صاحبك يدعى انه ذهب إلى بيت المقدس وعاد فى ليلته ، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا ؟ ... قال الصديق فى تلقائية وحزم : " إن كان قال فقد صدق " .
لو كان الصديق يشك للحظة واحدة أن محمدا رسول من عند الله يأتيه الوحى من السماء ، لما قبل عقله الراجح أن يصدق هذا أبدا .

لكن إيمانا يملأ قلب الصديق ، جعلته يستوعب فى لحظة بل فى ( لا زمن ) أن محمدا صادق إن كان قد قال ، ولابد أن هذا الإيمان هو ثمرة الاستيعاب الكامل لمعنى الإسلام والرسول والوحى والقدرة الإلهية اللامحدودة .

وفى غزوة أحد ] 7 شوال عام 3 هـ [ ، وقت ان كان المسلمون كالفريسة المتناثرة الأجزاء ، وقد أحاط المشركون بهم ، يحاربونهم من أمامهم ، ويرمونهم من ظهورهم ، وفر الناس من ميدان القتال وأشيع أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد قتل ، ذهل الناس عن المعركة وألقى بعضهم السلاح ، وجلس ذاهلا لايدرى مايفعل ، فلاهو يهرب ولا هو يحارب ، وفى هذه الأثناء ، مر عليهم سيدنا أنس بن النضر فوجدهم هكذا ، فصاح بهم أن جاهدوا ، فقالوا : لقد قتل رسول الله . فأجابهم بنفس الحزم وبنفس التلقائية : وما تفعلون بالحياة من بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله .

إنه حتى لم يفكر فى تكذيب الشائعة ، بل كان موت سيدنا محمد أو حياته أمرا لايجيز السكوت ولا الذهول .

إن فهمه واستيعابه للإسلام والجهاد ، جعله يستنكر القعود ، ويمضى ليموت على ما مات عليه رسول الله ، بل أعلنها عالية : إنى لأجد ريح الجنة دون جبل أحد .

*****

الأمثلة لن تنتهى ، ومالمقصود سوى الاعتبار ، إن التحرك بالإسلام لتغيير المجتمع ، ولإصلاح العالم ، ولمواجهة الجمات الحقيرة على الإسلام والفكرة الإسلامية والأرض الإسلامية ، لايمكن أن يحدث إلا لدى جيل يستوعب معانى الإسلام ورسالته فى الحياة ، وتصوره الكلى عن علاقة الإنسان بالله وبالكون وبالبشر من حوله ، حتى يستطيع هذا الجيل أن يعرف مكان خطواته القادمة كيف وأين يضعها ؟

أما الفهم المغلوط أو المنقوص ، فإنه لاينتج إلا ارتباكا فى المفاهيم أولا ، ينتج عنها ارتباك فى الحركة ، لايمكن أن يؤدى إلى قيام دولة الإسلام ورفع الظلم عن كل المظلومين فى هذه الأرض .

وعلى كل من يحاول التغيير والإصلاح أن يستوعب الإسلام ومعانيه وأهدافه ورسالته ومراميه ، وإلا ظللنا كالثور فى الساقية ، يدور معصوب العينين ، وبعد أن يجهد ويتعب ويدور يصل إلى نفس المكان الذى بدأ منه ، هذا فضلا عن السياط التى تشوى ظهره من كل ناحية .

تفرق شملهم إلا علينا ..... فصرنا كالفريسة للذئاب .

-------------
15/9/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق