الأربعاء، نوفمبر 30، 2005

د. محمد عباس يتوقع اغتيال البابا شنودة

فى مقاله بمجلة المختار الإسلامى ( عدد 279 - ذو القعدة 1426 ) ، كتب الدكتور محمد عباس متحدثا عن فتنة الاسكندرية .

وبعد أن أوضح رأيه فيما حدث ، وأثبت بالأرقام أن الأقباط يتمتعون فى مصر بمالا تتمتع به أى أقلية فى العالم ، قال إنه يرى أن ماحدث هو لمجرد التسخين فقط فى مصر ، فليس الدور عليها الآن .

وإنما الدور الآن على سوريا ثم السودان ثم إيران ، ثم مصر .. من خلال إثارو النزاعات الطائفية ، تمهيدا للقضاء المبرم على السعودية .

وتوقع أن يكون السيناريو كالآتى .

اغتيال البابا شنودة ، ثم الدكتور يوسف القرضاوى ، ثم عمرو خالد ... وتبدأ عاصفة الدم فى مصر ، بقيادة " رسول الشيطان " بوش .


30/11/2005

لماذا ينحاز الشعب إلى الإخوان المسلمين ؟

ما أكثر الكتابات التى قيلت فى تفسير الفوز المدهش للإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية ، رغم كل ما حدث من اعتقالات بالمئات ( عدد المعتقلين تجاوز الألف حتى الأمس ) ، وبلطجة أدت إلى موت وجرح عدد غير قليل من أنصار الجماعة ، ورشاوى انتخابية ( وصل الصوت فى بعض المناطق فى مدينة نصر إلى 800 جنيه ) ، وترهيب الناخبين من خلال مخبرى وضباط أمن الدولة الذين كانوا يدورون على البيوت يحذرون الأهالى من انتخاب الإخوان ، وحياد الشرطة السلبى ( كما حدث فى الإسكندرية ورأيناها بالصور ، كيف يخرج البلطجية من خلف صفوف الأمن ، ويديرون المعركة أمامهم ) أو من تدخل فاحش وصلت إلى إطلاق القنابل المحرمة دوليا ( حدث هذا فى قنا ) ، أو منع الناخبين تماما من التصويت حتى أدى هذا إلى تأجيل الانتخابات فى بعض المناطق ( مثل دائرة إطسا بالفيوم ) .

ومازالت حركات الاعتقال مستمرة قبيل المرحلة الثالثة من الانتخابات التى ستجرى غدا .

أضف إلى هذا تزوير بعض القضاة للنتائج لصالح مرشحى الوطنى ، مثلما حدث فى دوائر ( حدائق القبة ، ومدينة نصر ، الدقى ، دمنهور ، نهطاى - غربية ، .. وغيرها ) .

كانت خلاصة هذه الكتابات التى انتشرت فى الصحافة المصرية كالآتى :

1- الناخب يفاضل بين اثنين ، لذا فالميزان يميل للإخوان على حساب الحزب الوطنى ( مثال : إبراهيم عيسى - الدستور ) .

2- هذا اتفاق بين الحكومة والإخوان فى مقابل السماح بالتوريث ( كثيرون .. مثال : خالد صلاح - المصرى اليوم)

3- استخدام الإخوان للشعارات الدينية التى تبهر الشعب المخدوع ( كثيرون جدا .. مثال عبد الله كمال - روزاليوسف)

4- استخدام الإخوان للبلطجة وإجبار الناخبين على التصويت لصالح الإخوان ( كثيرون جدا ...)

5- الانتقام من الحزب الوطنى ( كثيرون .. أبرزهم ضياء رشوان - المصرى اليوم ) .

6- الإخوان لم يفوزوا بدليل أن نسبة التصويت 20-23 % فقط ( أبرز أصحاب هذا الرأى - حلمى النمنم - الدستور والمصرى اليوم ) .

****

وإذا كان من حقى أن افكر بطريقة مختلفة ، فإنى أرى السبب مختلفا عن كل ماسبق رغم تقديرى الكامل لآراء مثل آراء ضياء رشوان وإبراهيم عيسى ، وأيضا سخريتى الكاملة من آراء متهافتة مثل آراء حلمى النمنم وعبد الله كمال وخالد صلاح وغيرهم ....

لو رجعنا إلى ماقبل الانتخابات ، لوجدنا أن تصريحات الجميع ، بما فيهم قادة الجماعة كانت تتوقع الحصول على 50 مقعد فى هذا البرلمان ، حتى المرشد العام للإخوان ، كان قد عدل عن تصريح سابق مع حمدى قنديل فى برنامج قلم رصاص على قناة دبى الفضائية قبيل الانتخابات الرئاسية توقع فيها فوز 100 من أعضاء الجماعة ... تراجع عن هذا التصريح ايام الانتخابات البرلمانية ليدور الكلام حول الخمسين مقعدا فقط .

فإذا كان هذا هو واقع ماقبل الانتخابات حتى من تصريحات قادة الإخوان أنفسهم ، فمعنى هذا أن الفوز الكبير للإخوان ، لايرجع إلى وسائل وقتية استخدمت اثناء الانتخابات ، فرفعت شعبية الإخوان فجأة إلى ضعف توقعات المتفائلين تقريبا .

لابد أن هناك سببا آخر لهذه المفاجأة ، بل المفاجآت .


****

لو نظرنا إلى نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية ، والتى كانت محافظاتها ضعيفة جدا بالنسبة للإخوان المسلمين ( اللهم إلا القاهرة والمنوفية ) ، وحتى القاهرة والمنوفية ، لم يكونا على قدر من القوة إذا ما قورنتا بمحافظات مثل الشرقية والإسكندرية والبحيرة والغربية .

هذه النتائج كانت مدهشة إلى حد مرعب .

فحينما يحصل الإخوان على :

* مقعد بدائرة الرئيس الانتخابية ( عصام مختار - مدينة نصر ) ، ويكادون يحصلون على الثانى لولا التزوير ( مكارم الديرى ) وأمام رجل أعمال ضخم الثروة مثل مصطفى السلاب .

* يفوز كل مرشحى الإخوان بالمنيا ( عددهم 6 ) ، ويسقط كل مرشحى الإخوان بنفس المحافظة ، وهى محافظة ترتفع فيها نسبة الأقباط ، الذين ايدوا الحزب الوطنى .

* يفوز الإخوان بـ 9 مقاعد من بين 11 مرشح فى المنوفية محافظة الرئيس ، والمشهورة بأنها معقل الحزب الوطنى ففيها من رموزه كمال الشاذلى وأحمد عز وأمين مبارك ( ابن عم الرئيس ) .. ويسقط أمين مبارك أمام مرشح الإخوان ( رجب أبو زيد ) من الجولة الأولى ، ولابد من ذكر أن رجب أبو زيد كان المرشح الاحتياطى للدكتور على بشر عضو مكتب الإرشاد وصاحب الشعبية الكاسحة مقارنة برجب أبو زيد ، وأنه نزل الانتخابات قبلها بأيام معدودة بعد حكم يقضى بعدم أحقية د. بشر لأنه من المحاكمين عسكريا فى قضية سابقة .

* يفوز الإخوان بـمقعدين من ثلاثة فى أسيوط ، وهى المحافظة التى ترتفع فيها نسبة الأقياط وحولتها أجهزة أمن الدولة إلى معقل كبير ، تقبض فيه على كل ماهو إسلامى بقبضة حديدية حتى أنى اسمع من زملائى بجامعة أسيوط أن التفتيش لسكن الطلبة شئ طبيعى فى أى وقت من ليل أو نهار ... وتكون أجهزة الدولة منحازة تماما حتى المحافظ نفسه كان يقوم بالدعاية بنفسه لمرشح الحزب الوطنى ، وحتى الثالث الذى أسقط ( د. خالد عودة ) شهدت منظمات المجتمع المدنى بأنه تمت انتهاكات واسعة وتدخلت الشرطة ضد فوزه .


****

إذا كانت هذه هى نتائج أضعف المحافظات بالنسبة للإخوان ، والتى لا أظن أن الإخوان عولوا عليها كثيرا فى عدد المقاعد ، كما كانت تتضمن تصريحات بعض قادتهم قبيل المرحلة الأولى ... ثم يظهر ان الإخوان حصدوا 34 مقعدا ، وهو ضعف ماحصلوا عليه فى الدورة الماضية مجتمعة .

إذا كانت هذه هى النتائج .... فالأمر بلاشك أكبر من صفقة مع الحكومة ، وأكبر من وسيلة واحدة تم استخدامها لمضاعفة النتائج بهذا الشكل .

لكن التروى والتفكير فى الأمر بهدوء ، يجعل احتمالا آخر يطرح نفسه بقوة ، وهو : أنه لم يوجد مقياس قبل هذا كان أى مراقب للوضع يستطيع أن يقيس به قوة الجماعة وتأثيرها فى الشارع ، فكل الانتخابات التى جرت فى مصر قبل ذلك ، ( وحتى هذه ) مزورة بشهادة كل محايد ، بل وبشهادة أعضاء الحزب الوطنى أنفسهم حين يصرحون ( ستكون هذه الانتخابات نزيهة ) ، وهو التصريح الذى حفظه كل فرد فى مصر من كثرة ماتردد على التلفاز وفى الصحف .


وإذا لم يوجد مقياس واضح يرجع إليه أى متابع ، فإن كل التوقعات تدور فى فلك الرؤية الشخصية وهى دائما قاصرة ، وبالتالى يكون التوقع المبنى عليها قاصرا .

وأظن أن هذا هو سبب صدمة المتابعين للانتخابات .

***

لايمكن أن نُخرج عنصر الانتقام من الحزب الوطنى من معادلة الانتخابات التى أفرزت فوز الإخوان ، فلاشك أن عددا كبيرا ممن صوتوا للإخوان كانوا ينتقمون من الحزب الوطنى ... لكن .

يستحيل أن يكون هذا هو السبب الوحيد ، فإذا كان ذلك صحيحا ، فالمتوقع أن تتوه الأصوات وتتناثر لصالح مرشحى الأحزاب الأخرى والمستقلين ، وفى هذه الحالة فإن الاختمال الأرجح هو فوز الحزب الوطنى .

لكن مشاهدا كثيرة تنفى هذا ، منها على سبيل المثال :

* سقوط عدد كبير من المرشحين المعارضين ، والمنتمين لأحزاب المعارضة ، مثل أبو العز الحريرى ، وعادل عيد ، والبدرى فرغلى ، ومحمد البدرشينى .

ولم تحصل جبهة المعارضة إلا على مقعد واحد ( مصطفى بكرى -حلوان ) ، وهو المقعد الذى لايرجع فيه الفضل إلى الجبهة بقدر ما يرجع إلى شخصية مصطفى بكرى نفسه .

* المشهد الثانى هو سقوط رموز الحزب الوطنى بفارق كبير عن مرشحى الإخوان تحديدا ، مثل يوسف والى الوزير السابق ، الذى انهزم بفارق عشرة آلاف صوت لصالح حسن يوسف مرشح الإخوان ... وكذلك الفضيحة المعروفة لمصطفى الفقى أمام جمال حشمت ، ولآمال عثمان أمام حازم ابو إسماعيل .

هذا الفارق فى الأصوات ، لايعنى مجرد انتقام من الحزب الوطنى ، ولكنه يدل على وجود تكتل واضح خلف مرشح الإخوان .

وبالتالى :

لايمكن أن يكون سبب الانتقام من الحزب الوطنى هو السبب الوحيد .


****

تكاد تكون باقى الأسباب متهافتة ولاتستحق الرد عليها ، مثل البلطجة ( التى ثبت بتقارير منظمات حقوق الإنسان ونادى القضاة ، أنها مورست ضد الإخوان ، على عكس ماتشيعه وسائل الإعلام الحكومية أن الإخوان مارسوها ) .

أو مثل وجود صفقة بين الإخوان والحكومة وأن كل ماحدث كان مجرد ديكور ، فهذا تسطيح مدهش للقضية ، وحذف لتاريخ كل من الإخوان والحزب الوطنى .... ومن رفع هذا السبب لم يقل لنا كيف حدث ، فى ظل وجود هيئة قضائية أغلبها يتسم بالنزاهة والحياد .


****

كنت كتبت سابقا مقالا بعنوان ( مالذى يجعل الإسلاميين قادرين على تحريك الشارع ؟ ) ، وكانت أغلب الردود تنفى هذا الطرح ، وتقول إن الإسلاميين عاجزين عن تحريك الشارع ، وان مظاهراتهم إنما هى مظاهرات أعضائهم ومؤيديهم .

ترى ، هل يجوز لى الآن إعادة طرح السؤال من جديد ؟؟

ولا أتخيل أنه يمكن أن ينفى أحد فكرة تحرك الشارع نحو الانتخاب ، بل وتكتله خلف الإسلاميين ، ايا ما كانت الأسباب .

ويبدو - كما قال الكثير - أن البلد كبرت ، واصبحت تستعصى على الاحتواء ، بالطرق القديمة التى كان يستخدمها الحاكم فى قمعه .


30/11/2005

الثلاثاء، نوفمبر 29، 2005

عمرو عبد السميع ، حينما يتحول إلى نكتة

" الحمد لله الذى عافانى من التليفزيون المصرى "

كان هذا شعارى منذ أغسطس 2004 ، حينما من الله علينا بأن صرنا نستطيع الاستماع إلى القنوات الفضائية ، لن أحكى لهم هنا مدى التأثير الهائل الذى طرأ على البيت كله ، وصار لكل فرد قناة لايفارقها إذا جلس إلى التليفزيون .

حضرتى : الجزيرة
الوالدة : اقرأ
الوالد ، لايحب التلفاز أصلا .. لكنه إن جلس فهى الجزيرة
الأخ الأصغر : مباريات الكرة ، والمصارعة .

شد انتباهى ذات مرة ، أنى لم أفكر مجرد تفكير أثناء جلوسى ان اشاهد التليفزيون المصرى ابدا ، كان هذا فى أغسطس الماضى ، أى بعد سنة كاملة .. وقد فعلت ، وشاهت التليفزيون المصرى لأول مرة ، وفاجأنى الوجه الجديد ... النجم عمرو عبد السميع

(( تصفيق حاد ))

كان البرنامج يبدو جادا ، فى مرحلة انتخابات الرئاسة ، يستضيف المعارضين ، نعمان ، السعيد ، كمال ابو المجد ... إلخ .

- لكنى لا ارتاح لهذا الوجه ( شعور غريب ونداء نفسى )
- ليه يعنى ؟ ( نداء عقلى هادئ )
- مش عارف
- سوء الظن حرام
- استغفر الله ، بس برضه مش مرتاح
- حرام
- خلاص .. استغفر الله يارب .

إلى أن رأيت التتر الذى يقول ان هذا الوجه هو عمرو عبد السميع .

يانهار أبيض ... عمرو عبد السميع !!!!!

لاتتعجبوا ، فلقد كنت قد قرأت لعمرو عبد السميع كتابين وبعض المقالات فى الأهرام ، والكتابين هما ( حوارات مع الإسلاميين ) و ( الأحاديث البريطانية ) .

اول ملامح هذه الكتب الذى يراها القارئ الأعمى ( النرجسية بلا حدود ) ، شخص يتخيل أنه يفعل مالايستطيع مخلوق فعله .

ولأجل التسهيل على القراء ، انظروا مقدمة كتاب ( الأحاديث البريطانية ) وهو من اصدارات مكتبة الأسرة ... كيف لا يزهو بنفسه فقط ، بل ينتقد كسل وسلبية امثاله .

ليس موضوعنا على أية حال .

المهم ، أن فترات الدراسة التى لاتحتوى على تلفاز ، تحرمنى من رؤية الدش ، لكنى عرفت بالأمس انها نعمة من الله تعالى إذ حرمتنى من رؤية التليفزيون المصرى .

كنت بالأمس فى زيارة صلة رحم بالقاهرة ، واضطررت لفتح التلفاز ، ومطالعة وجه عمرو عبد السميع .

(( تصفيق حاد ))

ورغم فكرتى - ومصدرها الصحف - عن مدى قسوة وبذاءة ووقاحة برنامج ( حالة حوار ) هذه الأيام ، إلا أن تصورى كان شحيحا ، وخيالى كان كسيحا بالنسبة للواقع .

استضاف عمرو عبد السميع للحديث عن الإخوان هؤلاء الأشخاص :

- مكرم محمد احمد ( رئيس مجلس إدارة دار الهلال السابق )
- عبد الفتاح عساكر ( من مجاهيل الفكر الذى لم أره ولم اقرأ له سابقا وكان تعريفه يقول - مفكر إسلامى )
- جمال البنا ( الكاتب الإسلامى المعروف ، ورغم كونه شقيق البنا إلا أنه علمانى )
- صلاح عيسى ( رئيس تحرير جريدة القاهرة التابعة لوزارة الثقافة ، والعلمانى العنيف المعروف )
- حمدى رزق ( صحفى من الدرجة العاشرة ، له مقال يومى بالمصرى اليوم يخصصه لمهاجمة الإخوان )
- عبد الله كمال ( فضيحة الصحافة المصرية - رئيس تحرير روزاليوسف )
- حازم منير ( محرر برلمانى )
- واحدة مش فاكر اسمها .


وكما هو متوقع ، طاح الكل فى الإخوان ، مش مشكلة ... عادى ... مالإخوان طول عمرهم ملطشة ... إيه اللى جرى يعنى ؟؟؟

لكن الذى يجرح النظر أن عمرو عبد السميع كانت يترك فرصة الحوار للجميع ليسبوا الإخوان مهما خرجوا عن نطاق السؤال ، ويضحك بين الحين والآخر ضحكة ذئبية تماما كضحكة محمود المليجى فى أفلام الشر القديمة ... وبدا مظهره عجيبا بالنسبة لابنة عمى ( 9 سنوات ) : إزاى ياعمو واحد لابس بدلة وكرافتة يضحك كده ؟؟؟

كانت تريد أن تقول ، إن المظهر المحترم الذى يشى بأنه إنسان مثقف ، لايناسب هذه الضحكة أبدا .. لم ارد عليها بالطبع ، لكن شاركتها التعجب ببسمة ( وشر البلية مايضحك ) .

لم يقاطع عمرو عبد السميع أحدا إلا جمال البنا ، الذى رأى ان المغالطات التاريخية والتجريح الشخصى ينافى أى مصداقية ... فعندما عرض بعض الأقوال تدل على ان البنا كان منفتحا وليبراليا ولايوجد عنف قامت به الجماعة حتى 48 ... صاح عمرو عبد السميع :

- احنا يهمنا الأفعال مش الأقوال ، وكمان الأستاذ مكرم عنده تعقيب عليك .

وبهذا انتقل الحوار إلى مكرم ، ومرة أخرى إلى صلاح عيسى .... وظل جمال البنا لايتكلم طوال الحلقة .

رغم ان عمرو عبد السميع نفسه سمح بوقت هائل لعبد الله كمال وحمدى رزق يقتطفون فيه اقوالا لقيادات الجماعة ، دون ان يقول لهم ( احنا عايزين افعال مش اقوال ) .

لن احصى التفاصيل ، لكنى حاولت مع ارتفاع ضغط الدم الذى اصابنى ان انظر للأمر بإيجابية ، واستخلص من فوائد إيجابية .

فكانت هكذا :

1) الحمد لله على نعمة المنتديات والتى تحظى بشباب بعضهم فى سن الـ 15 يستطيع التفكير والعرض أفضل من أى صحفى مأجور .. إلى جانب أنه غير ملوث بالقاذورات التى تغطى الحكوميين .

2) الحمد لله ان مستوى المهاجمين على هذا القدر الضحل من الثقافة ، وهذا القدر الهائل من الفساد .

3) طالما أن هؤلاء الفاسدين يخافون كل هذا الخوف من الإخوان ، فهذا دليل على صلاح الإخوان .

4 ) لايجرؤ واحد من هؤلاء حتى اكبرهم سنا ( وكان مكرم محمد احمد ) ان يدخل فى حوار مفتوح فى أى منتدى شبابى على الانترنت وإلا كانت فضيحتهم بجلاجل .

5) الحمد لله على نعمة القنوات الفضائية .


*****

عايز بس اقول لكم نكتة ترطب الموضوع الجاف ده .. عبد الله كمال بتاع روزاليوسف اللى مابيعديش عليها اسبوع الا وتبقى لها فضيحة وسط الصحافة ( وآخرها فضيحة احمد منصور ) ادعى ان التهديدات بتوصل له عن طريق اخته فى طنطا واهله فى الدقهلية والسواق بتاعه ، وامه بتتصل بيه فى عز الليل تطمن عليه ... قال يعنى عبد الله كمال هو اللى بيهدد الوجود الإخوانى وخايفين على نفسهم منه ... و لا الإخوان لو كانوا عايزين يموتوه مكانوش موتوه من زمان وانتشارهم فى كل مكان زى ماهو عارف .

لأ وإيه ... قال الاخوان مش عايزينه يمارس حقه فى التعبير على التليفزيون ، وبيقول لهم حرام عليكم : مش انتوا بتظهروا فى القنوات الفضائية ... سيبونا نمارس حقنا فى التليفزيون بتاعنا .

ياحبيبى ...

****

وسط البرنامج افتكرت المثل اللى بيقول ( جاتها حزن اللى عايزة خلف )


25/11/2005

مغامرتى يوم الانتخابات

كانت فكرة فى غاية الطرافة اقترحها صديق ، أن نراقب انتخابات الإعادة للبرلمان ، ولانعتمد فيها على أخبار الصحف والفضائيات والمعارضة.

لكن الفكرة تحمل فى جوفها خطر الموت ، وأخطار الإصابة ، واحتمالات لاتنتهى خصوصا لو وقعت فى يد واحدة من المسجلات آداب التى تستعين بهم الحكومة على أبواب اللجان ... لكن كل هذا لايقاوم طرافة الفكرة وأهميتها .

لكن كيف نراقب الانتخابات ، خصوصا ونحن لانجيد أساليب الصحافة والتصوير من خفاء ، وتجاربنا المتواضعة السابقة لاتبشر بخير فى هذا المجال ، كما أنها لاترقى لمثل أهمية انتخابات البرلمان ، والانتخابات بعد ايام .. ماذا نفعل ؟؟

كانت تجاربنا السابقة تقتصر على تصوير مشاهد لتدخل الأمن فى الجامعة ، أو لبعض طلاب الأمن فى الجامعة وهم يتلقون التعليمات أو أو .... لكن الحقيقة ، أن كل الصور التى التقطناها بمجهود صعب ، لم تكن صورا صريحة بحيث يفهم الناظر إليها مانود أن يصل له .

والانتخابات لاتحتمل المخاطرة بمثل هذا المستوى ، ولايمكن أن نستعين بصحفيين لأنهم سيكونون مشغولين بطبيعة الحال فى التغطية ، كما أن أحوالنا المالية لاتساعد على التأجير .

طرح صديق ( كنا خمسة ) فكرة أن نطلب عضوية أحد منظمات حقوق الإنسان ، ونحمل منها تفويضا يسمح لنا بمراقبة الانتخابات .... فكرة عبقرية .

حاولنا الحصول على تصريح من منظمة حقوق الإنسان لكننا لم نوفق فى هذا ، مما زاد من صعوبة الموضوع ، لكن أحد الأصدقاء استطاع من خلال أكثر من اتصال الوصول إلى أحد مندوبى مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز ( وهو مركز يديره المحامى الإخوانى عبد المنعم عبد المقصود ) لكن صديقنا لم يكن يعرف هذه المعلومة ، وتيسرت السبل أمامه حتى استطاع الحصول على تفويض من المركز ، وكذلك بطاقات عضوية لنا لمراقبة الانتخابات .

اتصل بى يكاد يطير من الفرح ، يخبرنى بأنه حصل على العضوية لنا ولم يبق إلا ان يأخذ صورنا ، ويملأ استمارات و ... إلخ من الأمور الروتينية .

رغم ماحمله هذا الاتصال من نبأ سار ، إلا أن ماحمله من مخاوف كانت أكثر .. إذ أننا فى هذه الحالة مسؤولون عن عمل يتبع مركزا قانونيا ، ومطالبون بتقرير فورى لغرفة العمليات المركزية ، ومعرضون للتقييم على مجهودنا الذى قد يكون ضعيفا ، وقليل الخبرة ، وهذا عمل نمارسه لأول مرة ، ومنه سيكون جسم تقرير المركز .

هذا غير تبعية المركز ( الغير مباشرة ) للإخوان المسلمين ، بكل ما يحمله هذا من احتمالات غير سارة .

لكن السيف سبق العذل .

فى ليلة الانتخابات ، قسمنا أنفسنا مجموعتين ، مجموعة فى مركز الشهداء ، والأخرى فى مركز منوف ( محافظة المنوفية ) ، ووضعنا خطة سريعة وساذجة لمراقبة الانتخابات ، وكيف سنتعامل مع القضاة ورؤساء اللجان ، ورجال الأمن ... كذلك البلطجية ومسجلات آداب ، ورجال الحزب الوطنى ، وكذلك رجال الإخوان الذين قد يظنون لأول وهلة أننا تابعون لهم .

وانطلقنا فى صباح اليوم التالى ( يوم الانتخابات ) .

-------------------------------

هنا سأحكى ما حدث معى ، مؤجلا ماحدث مع الزملاء إلى المشاركة القادمة ، لكن ما لا أطيق صبرا على إخفائه ، أنى حظيت باحترام وتقدير كافة الجهات بشكل لم أتوقعه ، فى حين حصل زملائى فى مركز الشهداء على كمية رائعة من الضرب بالعصى والشوم والأحجار والمطاردة ، واصيبوا جميعا بكدمات وجروح ، وتمزيق ملابس فى أحد مشاهد أفلام العنف المصرية التى تنتجها السيدة الفاضلة ( نزيهة ) .

كان معنا كاميرا فيديو ، وكاميرا ديجيتال ، و جهاز mp3 ( كنت استعمله لأول مرة - وهو لمن لايعرف جهاز فى حجم قلمين حبر يسجل صوتيا فترة طويلة لأن ذاكرته 1 mega ) .

بدأنا جولتنا بعد الاتفاق مع تاكسى على الدوران بنا فى أرجاء المركز الذى يحوى أكبر كتلة تصويتية فى المنوفية ، ويشمل مراكز منوف ، وسرس الليان ، ومدينة السادات ... غير ان استقراء الواقع اثبت أننا لن نستطيع مراقبة مايتعدى دائرة منوف فقط .

بدأنا من مدرسة الثانوية بنات ، وهى لجنة نسائية ، تقع بالقرب من بنك مصر بمدينة منوف ، ودخلنا اللجان ، بهدوء ... ليس هناك اعتراض من الأمن ، ولا من رؤساء اللجان .. ولم تكن الانتخابات قد بدأت بعد ، لكن اطمأننا على وجود الحبر الفسفورى ، والصناديق الزجاجية المغلقة ، ووجود الكشوف ، وعدم وجود دعاية داخل اللجان ، وغيرها من الأشياء المعروفة .

لدى خروجنا من المدرسة ، وجدنا بعض مندوبى الإخوان المسلمين ، يشيرون لنا بأن هناك نساء مسجلات خطر تحرشوا بالنساء فى المرة السابقة ، وهم يتحفزون الآن لتكرار الوضع ، ودلونا عليهم ..

وجدنا بعض النساء اللاتى لم ينتظرن أن نقترب منهم لنسألهم إلا وكانت إخحداهن تفتعل مشاجرة مع فتاة من الإخوان ، ويشتد التجمهر ، وبسرعة أخرج صديقنا كاميرا الفيديو ، واقترب ليصور المشهد فوجد عملاقين بشريين يحاولان منعه من التصوير ويريدون خطف الكاميرات ، واشتعلت مشاجرة عنيفة ، فى الوقت التى انتهت فيه مشاجرة النساء ، لم ينقدنا منها إلا شباب الإخوان المتواجدون .

ولأنى ضعيف البنية بطبيعتى ، أخذتها فرصة لإجراء حوار مع السيدة التى كادت تكون فى الملحمة ، غير أن جهلى بجهاز الـ mp3 جعلنى لا أسجل الحوار ، فضاع منى ... رغم أنه حوار قيم يكشف تفاصيل كثيرة ، منها ما رتبه الحزب الوطنى فى الانتخابات السابقة .

كانت فكرة ظريفة أن أترك تليفونى لمندوبى الإخوان أمام اللجان المختلفة حتى إذا حدث أى شئ أستطيع تغطيته تم الاتصال بى .

** أفلتنا بفضل الله من المشاجرة ، وفكرنا فى البدء من القرى والنجوع التى تحيط بالمركز ، ثم نترك المركز نفسه إلى آخر النهار .


* سنجرج

بدأنا جولتنا من قرية سنجرج التابع لمركز منوف ، وبمجرد أن نزلنا ، كان الوضع يبدو هادئا جدا ، لاحظت وجود زحام أمام مقر اللجنة مما يشى بارتفاع نسبة التصويت ، مع هذا الهدوء صعد صديقى لمتابعة اللجان وظللت أنا أجرى حوارات واطمئن على سير الانتخابات .

أخبرنى شباب الإخوان أن الحزب الوطنى يشترى الصوت هنا بـ 30 جنيها للفرد ، وهناك حالات بعينها ، طلبت منهم شاهد عيان يحكى لى ماحدث ، فلم يجدوا .. غير أن احدهم اشار لى على رجل قال إنه تابع للحزب الوطنى يوزع الأموال .

نسيت أن اقول لكم إننى وصديقى كنا نرتدى البدل والكرافتات ، ونعلق كارنيهات المركز ، ونبدو لأول وهلة - خصوصا لدى البسطاء من اهل هذه القرى - من الباشوات والواصلين .

تتبعت الرجل ، فوجدته يأخذ الناخبين إلى داخل غرفة بمركز الشباب المطور بسنجرج ، لا أدرى ماذا يفعل ، لكنى لا حظت أن كثيرا ممن خرج من مقر اللجنة كان يذهب إليه وفى عينيه انه ينتظر منه شيئا .

أحس الرجل بأنى أراقبه ، فلم يفعل أى شئ .. وظللنا على هذا الحال فترة ، أيقنت فيها أنى لن أحصل على الحقيقة بهذا الأسلوب .

فكرت فى حيلة أخرى : وجدت امرأة فى منتصف الأربعينات من عمرها ، بسيطة المظهر ، فلاحة أثرت الشمس على لون بشرتها ، وأثر الفقر على ملابسها ، خارجة من اللجنة وبيدها ورقة الدعاية للحزب الوطنى .

تسللت سريعا من خلف المدرسة ( مقر اللجنة ) لأقابلها على الطرف الآخر ، مدعيا أننى من الحزب الوطنى من القاهرة ، ودار بيننا هذا الحوار :

- ايه ياحاجة ، مش ها تنتخبى ولا إيه ؟
- ما أنا انتخبت يا أستاذ
- اخترت الجمل ؟
- أيوه
- وخدت حقك ولا لسه ؟
- حق إيه يابيه ؟
- حقك علشان اخترت الجمل .
- ايوه أخدته
- خدت كام ؟
- 30 جنيه .

صحت فى استنكار :
- 30 جنيه بس ، ده هم واخدين لكل واحد خمسين جنيه
- لا والله يابيه هم 30 جنيه بس
- يمكن يكونوا بيدوا للراجل 60 وللست 30 ؟؟
- لا يابيه .. الراجل برضه 30 ... انا خدت فلوسى امبارح بالليل ، وقالوا لى هاتى جوزك ينتخب وانا رايحة أجيبه .

(( الحوار مسجل صوتيا ، بالـ mp3 ))

*****

تركتها عند هذا الحد ، وتوجهت مرة أخرى إلى مقر اللجنة ، وجدت فتاة من فتيات الإخوان تنادينى وتخبرنى بأن بعض شباب الحزب الوطنى يضايقونهن بالعبارات الجارحة ... فأوضحت لها أنى لست صاحب سلطة ، أنا مراقب فقط .


*****

لم اكد افرغ إلا وجدت أخرى من الإخوان تاتينى بسيدات يردن أن ينتخبن ليحصلن على الـ 30 جنيه ، وكان زميلى فى هذه اللحظة قد أنهيا مهمتهما داخل اللجان ، ودار بيننا حوار على أننا صحفيين ( لكن السيدات البسيطات ظنونا من الحزب الذى يعطى المال ) ، والحوار مسجل بالفيديو .. اعترفت فيه السيدات بأنهن أخذن 30 جنيها ، والبعض قد اخذ بطاطين وكسوة .. وأنهن أتين معهن بمن لم يأخذ من العائلة كى يأخذوا أيضا .

حاولنا معرفة اسم من كان يوزع المال عليهم بالأمس ، لكنهن لم يعرفن الاسم .

** نسيت أن اخبركم ان انتخابات الإعادة كانت تجرى بين أيمن معاذ ( مرشح الوطنى ) و عبد الفتاح عيد ( مرشح الإخوان ) ... ( معاذ - الجمل ) ( عبد الفتاح - الساعة ) .

فلا تستغربوا إن تحدثنا فيما بعد بـ ( الجمل والساعة ) .

********

بعدما أخذنا ما نريد من سنجرج ، وأخبرنى زميلى ( أحمد سليمان ، محمد الديسطى ) باستقرار الأوضاع داخل اللجان ، انطلقنا إلى منشية سلطان ، وهلا بلد ( أيمن معاذ - مرشح الوطنى - الجمل ).

*******

كان مقعد الفئات بهذه الدائرة قد حسم لصالح أحمد عز رجل الحديد منذ الجولة الأولى .


منشية سلطان

بمجرد وصولنا إلى قرية منشية سلطان ، التابعة لمركز منوف ، وهى بلد مرشح الحزب الوطنى .. دخلنا المدرسة مقر اللجنة ، فاستقبلنا رجل فى منتصف الأربعينيات ، متسائلا بكل أدب : من نحن ؟ ، فأوضحنا له أننا من منظمة لحقوق الإنسان .

وسرعان ما تطورت اللهجة ، بالترحيب الشديد ، والثناء الرائع وتلك المهمة السامية التى تؤديها منظمات حقوق الإنسان ، ثم عرفنى بنفسه ( إبراهيم الشاعر - حزب وطنى ) .. اقترحت عليه إجراء حوار مسجل لكنه رفض .

سألته ما اخبار الانتخابات وكيف تسير ، وهل هناك أى ضغوط على الناخبين أو رشاوى انتخابية أو بلطجة أو ... إلخ .

فنفى كل هذا نفيا تاما ، وأشاد بمدى النزاهة والشفافية والحرية والديمقراطية و ... إلخ .

كم كنت أتمنى التسجيل مع هذا الرجل ، فلهجته النفاقية فى غاية الروعة ، كالذين تراهم فى التلفاز تماما تماما .. لكنه رفض .، واتهم ( الجماعات الإسلامية ) وهذا لفظه بشراء الأصوات فى الجولة الأولى مقابل 20 جنيها للصوت الواحد ، وأنه تأكد من هذا بنفسه .

انتهى حوارى مع إبراهيم الشاعر الذى أخبرنى ايضا أنه كان عضوا لمنظمة حقوق الإنسان فى الممر المؤدى إلى فناء المدرسة .

كان قد تجمع حولى العديد من الناس ، فطلبت من احدهم أن اقابل واحدا من الإخوان وأجرى معه حوارا ، فاقتادنى شاب فى الثامنة عشرة من عمره تقريبا إلى مسؤول الإخوان هناك وهو مسؤول ( لألأسف لا أتذكر اسمه - لكن الحوار مسجل صوتيا ) ، نفى فيه نفيا تاما وجود رشاوى من قبل الإخوان .

سألته عن شعار ( الإسلام هو الحل ) الذى يفرق بين ابناء الأمة ، فرد الرد المعتاد لأفراد الجماعة ، سألته كذلك عن نسبة مشاركة النساء .

لكى أريح نفسى واريحكم .

كانت أسئلتى الأساسية لجميع الذين قابلتهم فى هذا اليوم هى :
- نتعرف بيك ؟
- احك ما حدث معك ( إذا كان شاهدا على أى واقعة )
- وإذا لم يكن .. ما رأيك فى العملية الانتخابية ؟
- واجهت أى ضغوط ؟
- هل حاول أى طرف الضغط عليك إما بالمال أو بالتهديد ؟
- كيف جرت الانتخابات معك ؟
- هل كان التصويت سريا ؟
- مدى سهولة وجود اسمك فى الكشوف الانتخابية ؟
- الحبر الفسفورى ؟
- رايك فى شعار ( الإسلام هو الحل ) ؟
- هل انتخبت أمك أو اختك أو زوجتك أو ابنتك ؟
- ماتفسيرك لانخفاض ( أو ارتفاع ) المشاركة النسائية ؟
- مدى حياد الأمن .

مع اسئلة اخرى تابعة لمجرى الحوار ، وحسب كل حالة .


سألت المهندس مسؤول الإخوان عن هذا ، لكن يبدو أن وقفتى وسط الإخوان أثارت أعضاء الحزب الوطنى الذين ما إن غادرت الإخوان ، وأحاول إجراء أى حوار مع أى مخلوق حتى يهيج شخص اسمه ( عصام ... ) من أقطاب الوطنى ، يريد فض الناس من حولى ، وكدنا ندخل فى مشاجرة .

طلبت منه أن اجرى حوارا معه هو ، فزادت عصبيته ، و قال : مشغول مشغول ، مفيش حوارات دلوقتى .. بلا حوارات بلا كلام فاضى ... الساعة 6 ابقى اعمل معاك حوار .

وكلما حاولت إجراء حوار مع أى إنسان جاء وفض الناس من حولى .

اهتديت لرجل يبدو محترما ، لقيته امام مقر اللجنة التى هربت إليها من مطاردة عصام هذا ، وأجريت معه حوارا سريعا ، لم يكد يبدأ حتى أتى مخبر يطالبنا بالابتعاد عن مقر اللجنة ، كان عنيفا وحادا .. ولما ابتعدنا ، وأجريت مع الرجل حوارا ، اتضح أنه من الحزب الوطنى فى المنشية واسمه ( اسماعيل زيتون ... أو زيدون ) وكان هادئا ورزينا واشاد بالعملية الانتخابية ... ولما حاول انصار الوطنى فضه من حولى ، قال لهم : دول مالهومش دعوة بحاجة ، دول من حقوق افنسان ، من زمايلى ... فابتعد عنا أعضاء الوطنى .

لم أكد أنهى معه أسئلة بسيطة حتى جاء مخبر يخبره بأن تليفونا يطلبه ، فى حركة واضحة بأنه يريد أن يبتعد عنى ، وكنت قد أنهيت كلامى معه بالفعل ، فتركته شاكرا .

وفى الحوار نفى الرجل أن يكون الإخوان دفعوا 20 جنيه للصوت فى الجولة الأولى .

وهذا الحوار مسجل صوتيا .

وكلما كنا نقتب من أى أحد كان يفضه من حولنا عصام واتباع عصام ... فلم نجد بدا من الخروج من اللجنة وإنهاء عملنا هنا .

لقيت فى الخروج إبراهيم الشاعر ، فسألته معاتبا ما وجدناه من عدم ترحيب من اعضاء الوطنى ، ورد بطريقته النفاقية : معلش يابيه .. اصل هم مايعرفوش المهمة السامية والواجب العظيم الذى تقوم به حقوق الإنسان ، والأستاذ عصام متحمس للمرشح لكنه غيور .. متزعلش منه .

شكرته منصرفا ، فرفض ، وأصر على أن نتناول الإفطار ، وأن هذا لايصح ابدا و ... إلخ .

لكننا أفهمناه أنه لابد من المرور على بقية اللجان .

كان صديقى قد أنهيا عملهما ، داخل اللجان وسجلا هذه الملاحظات :

- وجود دعاية لمرشح الحزب الوطنى داخل اللجان
- تلطيخ كل دعاية مرشح الإخوان بالقرية .

** ثم انصرفنا إلى ( ميت ربيعة - الحامول ) .


الحامول
ميت ربيعة

انطلقنا بعد ذلك إلى قرية ميت ربيعة ،

وهناك وجدنا إقبالا ضعيفا جدا على اللجنة ، وبمجرد أن دخلنا اللجنة ، منع المقدم التصوير بتاتا ، وأصر على عدم استعمال أو حتى الاحتفاظ بالكاميرات .. ورفضنا من قبلنا تسليم الكاميرات ، وإزاء رفضه ورفضنا .. اقترح ان يمسكها هو ويظل معنا ، وكان الحل الوحيد المتاح .

دخلنا إلى اللجنة الأولى والثانية ، فوجدنا صندوقا مفتوحا ، لفتنا نظر رئيس اللجنة الذى اضطرب للحظة ، ثم أمر بغلقه .. حاول أحد أمناء اللجنة أن يجادل ، لكن رئيس اللجنة امره بإغلاقه وسجلنا هذا فى ملاحظاتنا .

لاحظنا كذلك ، وجود عضو مجلس الشورى السيد ابو حسين ، موجودا بفناء اللجنة ، انتبهنا له فى خروجنا ، وبمجرد ان اقتربنا منه أزاح واخفى أوراقا كانت أمامه ، وكان حوله عدد من أنصار الوطنى ... ولا يوجد أى مندوب لمرشح الإخوان باللجنة .

ورفض الحوار والتسجيل معه .

وكان الوضع بهذه الدائرة غير مطمئن على الإطلاق :

- منع التصوير
- رفض الحوارات
- الإقبال الضعيف
- الصندوق المفتوح
- وجود عضو مجلس شورى يجبر الناخبين على التصويت للوطنى ، وهو ماتضح من الصناديق التى كانت الأوراق بداخلها كلها لصالح الوطنى .
- إزاحة الأوراق التى كانت أمام عضو الشورى .
- عدم وجود أى مندوب لمرشح الإخوان المسلمين .

تركنا اللجنة ، منطلقين إلى القرية التى تليها ( كفر رماح ) ، وما كدنا نبتعد عن اللجنة حتى اوقفنا أحد ابناء القرية ، وهو رجل فى الأربعين من عمره تقريبا ، وأخبرنا أن هذه الدائرة يوجد بها ضغوط على الناخبين وتهديدات لهم وإجبارهم على انتخاب الوطنى ... ورفض الإدلاء بأى تفاصيل ، ورفض التسجيل ، وكان يبدو فى غاية الخوف والاضطراب ، لأنه قال لنا هذه العبارات ثم انطلق مسرعا .


الحامول

كفر رمـاح

ذهبنا بعد ذلك إلى قرية كفر رماح ، وكانت اللجنة الانتخابية بها فى أقصى آخر البلد فى مدرسة ، ولما كان القادم إلى اللجنة يكتشف من على بعد ، وكانت السيارة لايمكن أن تدخل هذا الطريق ، فقد ترجلنا .. ليرانا كا جالس أمام اللجنة .

بمجرد ان اقتربنا واجهنا شاب فى أواخر العشرينات من عمره ، ليسأل

حضراتكم مين ؟
فقلت له : من حقوق الإنسان
- ممكن اشوف الكارنيهات .
- مين حضرتك ؟
- أمين شرطة عمرو .... ( نسيت ) ... أمن دولة .

تحققنا من شخصيته ، و بدا من المشهد العام ان هذه اللجنة بها مايريب ، فتركناه يتحقق من شخصياتنا لنكشف المزيد ، ثم دخلنا إلى اللجنة .

حاول منع التصوير واصطحاب الكاميرات ، ورفضنا رفضا قاطعا ، ولم نسمح له بالنقاش فى هذه النقطة ، وتكلمنا معه بحدة وأنه بهذا يعطل حكما قضائيا ، وان المراقبة من صميم عملنا .

فبهت قليلا ، ثم سكت ، فى نفس الأثناء كان هناك أحد الأشخاص عرفنا فيما بعد ان اسمه ( عبد السميع رسلان - حزب وطنى ) كما يبدو من ( البادج ) الذى يعلقه على صدره وعليه صورة أيمن معاذ مرشح الوطنى ، وأراد أن يمنعنا من الدخول ، ثم قال لنا : معكم خمس دقائق فقط .. وكادت تنشب بيننا معركة فى هذه الأجواء المريبة ، وهذا الاستقبال الغريب ... واحتد بيننا الحوار حتى فضه الناس .

وقريبا مما وجدناه فى قرية ميت ربيعة وجدناه فى كفر رماح .

- إقبال ضعيف تماما
- عدم وجود أى مندوب عن مرشح الإخوان
- حاول أحد الناخبين الدخول إلى اللجنة ، فأصر رئيس اللجنة على أن ينتظر بالخارج ، ولم يسمح له بالانتخاب فى حضورنا .
- كما شكك رئيس اللجنة فى التفويض الذى نحمله ، واحتد بيننا الحوار ، ولكن تراجع قائلا : لولا أنه لايوجد أى مخالفات لما سمحت لكم بالدخول .

سألنا رئيس اللجنة عن مندوب مرشح الإخوان ، فقال إنه لايوجد مندوب ، وقد قمت بتعيين مندوب عنه كما يقول القانون .

وفى هذه الأثناء كان الصحفى ( وجية عاشور - صحيفة آفاق عربية ) يشتبك معه عبد السميع رسلان ، محاولا منعه من إجراء حوار مع مواطن موجود باللجنة .

(( تابعت فرز صندوق هذه اللجنة فيما بعد فى الساعة الثامنة مساءا لأجد أيمن معاذ حصل على 299 صوت مقابل صوت واحد لعبد الفتاح عيد )) .

وهذه النسبة أكبر دليل على ماحدث من انتهاكات ، وسمعت بنفسى رئيس اللجنة يقول لعبد الفتاح عيد بعد انتهاء الفرز ضاحكا وساخرا ( عندك واحد فى كفر رماح بـ 200 واحد ) ، وابتسم عيد فى صمت .

ثم انطلقنا إلى قرية الكوم الأحمر .


قرية الكوم الأحمر

قرية الكوم الأحمر هى القرية الوحيدة التى لم نرصد فيها أى مخالفات ، والتقينا هناك بمندوبين من الحزب الوطنى ومن الإخوان وبرئيس اللجنة وبمواطنين عاديين ، ورأينا سير الانتخاب ، وسألنا عن أى مخالفات .

فلم يجبنا أحد بأى مخالفة .

فانطلقنا إلى غيرها .


دبركى

كانت جولتنا التالية فى قرية دبركى .

حين دخلنا اللجنة الانتخابية وكانت مدرسة ، وجدنا الأعداد الكبيرة من الناس ، فى مظهر يشى بالإقبال على الانتخابات ، خاصة وقد كان وصولنا بعد العصر ، بعدما ينهى الموظفون أعمالهم والفلاحون فلاحتهم .

دخلنا إلى مقار اللجان ، كانت العممملية الانتخابية هادئة تماما ، والموضوع يسير كما يجب .

أجريت حوارا مع فتاة بالقرب من لجنة الانتخابات ، اتضح أنها طالبة فى كلية الحقوق ، اشادت بالانتخابات ، ونفت وجود أى ضغوط أو إغراءات على الناخبين ، بل ذكرت أنها كانت قد نسيت بطاقتها الشخصية فرفض رئيس اللجنة تصويتها حتى ذهبت وأحضرتها .

وعن رايها فى شعار الإسلام هو الحل ، اشادت به ورأته شعارا قويا وعميلا وصادقا ومعبرا ، وعن لماذا تقل المشاركة النسائية ، كان رايها أنه الانشغال وقلة الوعى السياسى لانخفاض التعليم بشكا عام فى القرى .

بحثت عن ممثلين للحزب الوطنى والإخوان المسلمين ، بعد ان اخبرنى شاب أنه تم توزيع رشاوى انتخابية على المواطنين .

وفى فناء المدرسة قابلت ممثل الإخوان ، وبجواره ممثل الحزب الوطنى ، وقال ممثل الإخوان : ان كل ماقيل فى موضوع الرشاوى الانتخابية لايتعدى دائرة السماع ، ولكنه لم ير شيئا ، ولايعرف أسماء من قاموا بالرشوة أو عدد ممن أخذها .

فيما نفى ممثل الحزب الوطنى تماما أن يكون هناك أى رشاوى انتخابية وطالب من يقول هذا بالتثبت والإتيان بدليل .

ثم أجريت عدة لقاءات متناثرة ، منها اثنين شباب فى أوائل العشرينيات ، دلنى عليهما أحد الأشخاص ، اعترفا بأن هناك رشاوى انتخابية قد دفعت وأنهما رأوها ويعرفون من أخذها ..
سألتهما : ماهى نوعية هذه الرشاوى ومن أخذها ؟
فأشارا إلى أنها أسمدة كيماوية وملابس ومبالغ نقدية ومواد غذائية ، وكانت لصالح أحمد عز ، وحين سألنا - الكلام مازال لهما - عن هذه الأشياء قيل لنا : إنها من التنمية الريفية .

سألت : وهذه التنمية الريفية تأتى فى غير أوقات الانتخابات .
أجابا : لا .. بل إنى وأهلى ممن لم نكن مسجلين بمجلس القرية ورغم ذلك اخذنا .
سألت : ولماذا لاتكون هذه المبالغ بالفعل من التنمية الريفية ؟
قالا : لقد كان عليها دعاية انتخابية لمرشحى الوطنى ( أحمد عز - أيمن معاذ ) .

ومما قالاه أيضا : ان مسؤولا بالحزب الوطنى ( فضح وعاير ) بعض الناخبين لأنهم من الفقراء الذين اخذوا الأموال ثم صوتوا لصالح الإخوان فى الانتخابات .

(( وهذا الحوار مسجل أوله بالصوت ، وباقيه بالفيديو )) .

*****

ثم دلنى شخص آخر على غلام فى السادسة أو السابعة عشرة من عمره ، اعترف بأنه شخصيا أخذ مواد غذائية سمن وسكر وغيرها ليصوت لأيمن معاذ مرشح الوطنى ، وبأنه رأى بنفسه عمليات التوزيع التى تمت ليلة الانتخابات فى القرية .

*****

حوار آخر مع شاب ( يبدو أنه من الإخوان ) ، قال إنه سمع سماعا عن رشاوى انتخابية ، لكنه لم يشاهد ، وحكى أن أحد مندوبى الوطنى فضح فتاة أمام الجميع بأنه الذى دفع لأهلها مصاريف علاج والدها ، وانه يساعدهم فى الأزمات ، وظل يلاحقها بالكلام حتى عادت باكية دون أن تنتخب .

سألته : لماذا ؟

قال : لأنها كانت ستنتخب الساعة ( رمز مرشح الإخوان ) .
- ولماذا لايجعلها تدخل لانتخاب الوطنى ؟
- لأنها كانت مصرة على انتخاب الإخوان .

(( الحوار مسجل بالصوت )) .

****

اثناء وجودنا فى اللجنة كان الناس يتجمعون حولنا ، خصوصا الأطفال ، وبينما أسألهم إذ تدخل عجوز تعدى الستين من عمره قائلا : انت بتعمل إيه ؟
- براقب الانتخابات .
- ياعم ، هو فيه انتخابات .. والله العظيم اللى عايزاه الحكومة هو اللى هينجح .. والله العظيم مافى انتخابات فى البلد دى .
- أمال الناس دى بتعمل إيه ؟
- دول فاكرينك بتوزع فلوس ... يلللا ياواد انت وهوه ، دول مامعاهومش فلوس .

****

خرجنا من اللجنة متجهين إلى السيارة : ومازال تجمهر الأطفال حولنا ، فوجدتها فرصة لأسأل طفلا صغيرا :
- وانت ياكابتن هتنتخب مين ؟
- ايمن معاذ .
- اشمعنى ؟
- علشان وزع علينا شاى وسكر .

وكم كان ندمى إذ لم أسجل هذا الحوار ، فلم أكن مستعدا له ، لكن اعتراف الأطفال بالذات لايحتمل الشك ، لأنه طفل مازال لايعى المتشابكات السياسية ، ويتكلم بصراحة وبراءة .

ثم انطلقنا ، إلى قرية طملاى .. بعد هذه الحوارات المثيرة ، لنجد فى جولة طملاى أفضل واثرى الحوارات .


قرية طملاى

دخلنا قرية طملاى بالسيارة ، وعلى أولها نسأل عن اللجنة الانتخابية لصاحب محل بقالة يبدو على مشارف الستين من عمره ، لكنه يتمتع ببنية قوية وصحة جيدة ، أسمر اللون ، غليظ الصوت قليلا .

قال لنا مستفسرا : ليه ؟
أخبرناه أننا من حقوق الإنسان لمراقبة الانتخابات ،
فقال لنا : كان فيه فلوس وبطاطين بتتوزع هنا امبارح ، واللى بيوزعها كان بيقول للناس انتخبوا الحزب .

بمجرد أن أوقفنا السيارة لنسجل معه ، رفض التسجيل تماما ، بل ورفض الحوار وإعادة الكلام معنا من اساسه ، فطلبنا منه أن يدلنا على مقر اللجنة الانتخابية .. فأرسل معنا غلاما فى سنة ( ثانية إعدادى ) اسمه حسن ... هذا الرجل وهذا الفتى لهما معنا حكاية تتجدد فى آخر هذه الجولة .

***

ركب معنا حسن السيارة حتى اوصلنا إلى مقر اللجنة الانتخابية ، عرضت عليه أن يعمل معنا فى هذه الجولة ، تساءل : يعنى إيه ؟

شرحت له إذا وجد أى شخص تعرض لإغراءات أو تهديد أو تلقى رشاوى انتخابية أو شاهد أى مخالفات داخل اللجان ، وعلى استعداد ليحكيها لنا أن يجلبه لى لنجرى معه حوارا .. ووافق حسن فى براءة رائعة .

أوصلنا حسن إلى مقر اللجنة الانتخابية فى مدرسة القرية والتى تقع فى آخر القرية تقريبا ، وكان الإقبال فى هذه القرية أكثر من كل القرى التى ذهبنا إليها ، وبالذات الحضور النسائى هناك كان عاليا جدا ، وبالذات من نساء الإخوان اللاتى كن شعلات من نشاط فى هذه القرية .

بمجرد أن دخلت اللجنة ، تلقانى شباب الإخوان ، وأخبرت بأن هناك حالة اسمها ( ميرفت يوسف قسنطين جرجس ) صوتت مرتين فى لجنة رقم 140 ، واحتجزها رئيس اللجنة لنصف ساعة فى اللجنة ، سارعت بالدخول مع الزملاء إلى هذه اللجنة ، وسألت رئيسها عن هذه الحادثة ، فنظر إلى ساكتا لفترة ثم اجاب فى اقتضاب : شائعات .

وكان شابا فى الثلاثينات ، مما يقوى احتمالية أنه من النيابة لا من هيئة القضاء .

المهم ، كانت اللجان الانتخابية كالعادة ، هادئة ، ليس بها أى مخالفات .

****

أجريت حوارا مع مسؤول الإخوان بالقرية : أثبت لى واقعة التصويت مرتين ، واشاد فيه بحياد الأمن إشادة تامة ، وتحدث عن الرشاوى الانتخابية .

فى حين نفى ممثل الوطنى هذا الكلام جملة وتفصيلا ، وبسؤال نساء ورجال تجمهروا حولنا عن رايهم فى هذا الكلام ، اشتعلت حولى غابة من الأصوات المتناقضة .

وإليكم بعض ماسمعته من جميع الأطراف :

- والله العظيم مافيه أى رشاوى انتخابية
- والله العظيم اتوزع امبارح سكر وشاى وكساوى واسمنت وطوب بناء
- كلها أعمال خيرية للبشمهندس احمد عز ... يعنى الراجل حرام يخدم دايرته ... والله كلها خدمات لوجه الله .
- الست اللى صوتت مرتين كانت غلطة ، لأنها مضت مكانها اختها ، فلما جات هى كان اسمها ممضى قدامه بالغلط .
- انت بتسمع لطرف والتانى لأ ( الكلام ده موجه لى أنا ) .. مفيش أى مخالفات
- اللى شاف بعنيه رشاوى انتخابية يتكلم
- لازم المعارضة اصلا تخفى عجزها
- والكساوى اللى اتوزعت امبارح ؟؟
- كدب كدب كدب .

وهكذا .. وغير هذا من الكلام الذى استطعت تسجيل بعضه وغاب البعض الآخر فى غابات الأصوات .

خرجت من اللجنة ، قابلنى أحد رجال الإخوان ( فى الثلاثينيات ) يدلنى على أن الحزب استأجر نساءا بمبالغ مالية ليقفوا أمام اللجان للدعاية له .

سألته : وماذا فى ذلك ؟ من حق الحزب أن يدعو لنفسه ... لكن هل هؤلاء قاموا بأى مشاكل أو اعتداءات ؟؟؟ فنفى هذا تماما .

****

حاولت إجراء حوار مع مسؤول الأمن باللجنة فرفض معتذرا بأدب ، وموضحا بأن العملية هادئة والأمن محايد كما ترى ( وهذا ماكان قائما بالفعل ) .

****

خرجنا من اللجنة الانتخابية ، فوجدنا رجلا يعمل بالأوقاف ملتح ، فى أوساط أو أواخر الثلاثينيات ، يسعى لنا ويوافق على إجراء حوار لكن بعيدا عن اللجنة ... أخبرنا فى حوار ثرى بالاتى :

- أحمد عز مرشح الحزب الفائز قام بتقييد بعض الناخبين فى مدينة السادات ( حيث مقر عملهم ) ، فانتخبوا مرتين .. مرة هنا ( طملاى ) ومرة فى مدينة السادات لصالح الحزب الوطنى ، وأن السيارات التى تنقل الناخبين إلى السادات لم تتوقف طوال اليوم ... واثناء حديثنا أشار إلى سيارة أجرة متجهة للجنة الانتخابية . ( لكنى لم أتأكد من صحة هذه المعلومة ) ، لكنه اعطانى ورقة بها بعض الأسماء التى صوتت مرتين .

- أنه شخصيا هدد بالوقف عن العمل ، وكذلك كل العاملين فى الأوقاف ، وأخبره رئيسه بأن يبتعد عن الانتخابات .

- أن الحزب الوطنى تسبب فى مشاكل داخل العائلات ، لأن المعروفين بتأييدهم للإخوان تم تهديدهم بالسعى فى قطع أرزاقهم .

- تمت رشاوى انتخابية بشكل مؤكد ، والذى كان يوزع هذه الرشاوى شخص يدعى ( مدين مدكور ) .

(( الحوار مسجل بالفيديو )) .

****

نسيت أن اخبركم أنى سألت الفتى حسن وهو قادم معنا إلى اللجنة ، من تنتخب ياحسن ؟ فقال : الحزب الوطنى .

- والبيت عندك هينتخب مين ؟
- اخبرنى ان والده متوفى ، ووالدته ستنتخب الساعة ( رمز المرشح الإخوانى ) .
فطلبت منه حين نذهب إلى اللجنة أن نسجل مع والدته ، فوافق .

طبعا حسن ليس له صوت انتخابى ... لكن الدردشة تكشف النوايا .

وفى اللجنة أحضر لى حسن بالفعل والدته ، لكنى كنت منشغلا بحوار مع مسؤول الإخوان ، وكان التجمهر كبيرا ، فلم استطع .

*****

بعد الانتهاء ركب معنا حسن ليدلنا على طريق الخروج من القرية .

استوقفنا فى الطريق ، رجل جاوز الستين من عمره ، يرتدى جلبابا ن ويبدو فلاحا ، فتوقفنا له وفى حوار معه مسجل صوتيا أخبرنا :

- أنه مهندس معمارى
- اعطى صوته للحزب الوطنى عن إخلاص ، لأن الحزب الوطنى فعلا تغير فى الأيام الأخيرة .
- يستنكر انتشار الإشاعات التى تقول بوجود رشاوى انتخابية ( إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )
- أحمد عز يتبرع لوجه الله ، وقد كان كثير التبرع والقيام بالأعمال الخيرية للقرية ، وطوال السنوات الخمس لا فى أيام الانتخابات فقط .
- يؤيد شعار الإسلام هو الحل لكن لايؤيد رافعيه .
- يأخذ على الإخوان معارضتهم المبداية والمطلقة للحزب الوطنى دون النظر إلى الأمور بموضوعية وحيادية .

كان الرجل وقورا فى حديثه ، متزنا فى عباراته ، يبدو صادقا بالفعل .. شكرناه ومضينا إلى خارج القرية .

أثناء تجولنا بالسيارة ، أجرينا حوارا ( بالفيديو ) مع حسن .. أخبرنا فيه :

- أنه لايوافق على شعار الإسلام هو الحل ، رغم انه يحب الإخوان ، لأن هذا الشعار سيجعل المسيحيين تلقائيا يصوتون للحزب الوطنى .
- أنه تم توزيع رشاوى انتخابية عبارة عن مواد غذائية وكساوى وطوب بناء ، وتم خفض سعر الحديد لبعض الناس لكى يستطيعوا البناء فى مقابل أصواتهم .
- لو كان له صوت لصوّت للجمل ، فى حين أن والدته صوتت للساعة .
- لم يحاول أحد فى البيت إقناع الآخر باختياراته .

***

ماكدنا نخرج لأول البلد ، حتى قابلنا الرجل صاحب محل البقالة الذى قابلناه فى أول الجولة :

أجرينا معه حوارا رفض فيه التسجيل ، كان فيه :

- تم توزيع رشاوى انتخابية وزعها ( مدين مدكور ) ، وكانت عبارة عن مواد غذائية وطوب بناء وكساوى .
- انتخب الإخوان .
- فى حين أن اسرته انتخبت الحزب الوطنى .

طلبت منه شاهد عيان للرشاوى الانتخابية لأنى كنت فى لجنة الانتخاب ، ونفى ممثلو الحزب هذا الاتهام تماما .

وسرعان ما نادى على شاب فى أواسط الثلاثينات تقريبا ، أجرينا معه حوارا ( بالفيديو ) كان فيه :

- شاهد ( مدين مدكور ) يوزع رشاوى انتخابية .
- أعطى صوته للإخوان ويوافق على شعار الإسلام هو الحل ، وشرح معنى الشعار شرحا جميلا للغاية .
وهنا تدخل الرجل الأول قائلا

- لا .. يعنى ايه الاسلام هو الحل ... انا رافض الشعار ده ... يعنى الناس كلها كفرة ؟!!!
سألته مندهشا : انت مش لسه قلت لى انك انتخبت الاخوان ؟
فأوضح لى أنه ابطل صوته .

ثم اعطانا اعترافا خطيرا .

فهذا الرجل هو أمين الحزب الوطنى بهذه القرية قبل 7 سنين ، وكان يقفل الانتخابات لتخرج النسبة 100 % للحزب الوطنى ، وكان يضرب أى معارض أو رافع لشعار الإسلام هو الحل .

وان الناس تنتخب الإخوان لا حبا فى الإخوان ولكن كرها فى الحزب الوطنى من جراء الكبت السياسى الذى خلفته ممارسات الحزب الوطنى ، ومنها ما كان يقوم به هو شخصيا .

وانه اعتزل السياسة منذ 7 سنوات الآن ... ولو كان المعارض قويا ولم يكن من الإخوان فسينتخب الناس هذا المعارض ولن ينتخبوا الإخوان .

******

إلى هنا انتهت جولتنا فى طملاى ، وفى دوائر القرى التى حول منوف .

نحن الآن قبيل المغرب .. نتوجه إلى منوف المركز لمراقبة دوائر منوف ، ثم حضور الفرز وإعلان النتيجة التى أعلنت فى الثالثة والربع صباح يوم الأربعاء .


كانت قرية طملاى هى آخر فقرة فى الجولات حول منوف ، ثم عدنا أدراجنا إلى منوف .

كان قد اتصل بى شاب من الإخوان أثناء عودتى فى الطريق يخبرنى أن بلطجيا يفتعل مشكلة مع الإخوان ويريد أن يستولى على جهاز الكمبيوتر .

( جهاز الكمبيوتر - لمن لا يعرف - كان اسلوبا استخدم الوطنى والإخوان لتسهيل عملية الانتخاب بالنسبة للفرد ، إذ يتم إدخال اسمه فى قاعدة بيانات مخزنة بالكمبيوتر ، فيحصل على رقم المسلسل الخاص به فى الكشوف الانتخابية ) .

هرعت أول مانزلنا إلى منوف إلى تلك اللجنة الكائنة بمدرسة الثانوية بنين خلف قسم الشرطة ( ولاتتعجبوا ) .

لكننا وجدنا الأمر هادئا تماما ، ويبدو ان رؤساء اللجان فى منوف نفسها كانوا بالفعل من اعضاء الهيءة القضائية ، يبدو هذا من السن ، وكذلك البساطة والوقار فى ذات الوقت ، والنصائح التى يعطونها للناخبين .

سألت ممثلى الوطنى والإخوان ، واجمع الجميع على التفاهم التام والكامل بينهما ، بل إن مسؤول الإخوان ( عزم ) مسؤول الوطنى على الإفطار أو الغداء ، وقد ردها الآخر فى الغداء أو الإفطار .. ( لا أتذكر بالضبط ) .

سألت عن الخبر الذى وصلنا عن البلطجى ، فصرح ممثل الإخوان بأنه فرد معروف ومسجل خطر ، حاول الاستيلاء على الجهاز بالفعل ، لكنه لم يظفر إلا بلوحة المفاتيح ، وطلب مقابلها مائة جنيه ( طبعا بلطجى مش عارف انها بـ 10 جنيه ) .. فتركوها له .. لكنه استبعد أن يكون مؤجرا من الحزب الوطنى .

العملية الانتخابية هادئة تماما ، بلا أى مشاكل فى أى دائرة ... إلا ماكان بمدرسة الثانوية بنات فى أول النهار ، وبعض التحفزات فى وسط النهار .. لكن دون أى مشاكل .

نسبة التصويت كانت تقريبا 20% فى كل الدوائر فى هذا المركز .

******

بعد عشاء بسيط ، انطلقنا إلى اللجنة العامة للفرز ، وهى تقع فى منوف ، بعد الساحة الشعبية ، خلف ( مزلقان ) السكة الحديد .

كانت بعض الصناديق قد بدا فيها الفرز ، وبسؤال الأطراف علمت أن رئيس اللجنة العامة لم يسمح إلا بـ 25 مندوب من الطرفين ... لكن الواقع أنهم كانوا يزدادون بمرور الوقت .

تقريبا لم يكن هناك أى مخالفات فى عملية الفرز ، إلا ما رصدته فى صندوق اللجنة رقم 9 السادات ، إذ لاحظت أن الفرز لم يكن بوجود رئيس اللجنة الذى حضر بعد انتهاء الفرز ولم يفعل شيئا سوى الإمضاء على النتيجة .

موظف آخر رصدته كان يحاول أثناء تجميع الأصوات ، وضع بطاقات لمرشح الإخوان فى بطاقات مرشح الوطنى .. لكن رئيس اللجنة ، انتبه لهذا ، وأعاد الفرز مرة أخرى ، تخلص فيه من هذه الأخطاء .

كان مندوبو الإخوان ، وكذلك الوطنى يتابعون الفرز ، ويأخذون النتائج .

وكانت النتائج فى كل اللجان تقريبا تميل إلى الحاج عبد الفتاح عيد مرشح الإخوان ، إلا أن هناك لجانا عددها حوالى عشرة أو اكثر قليلا يتقدم فيها أيمن معاذ مرشح الوطنى تقدما كبيرا بفارق مائتين أو ثلاثمائة صوت ، وهناك لجنة تقدم فيها بفارق 800 صوت .

استغللت الوقت فأجريت حوارا مع عبد الفتاح عيد مرشح الإخوان هذا مختصره :

- رأيك فى العملية الانتخابية ؟
- تمت بنزاهة ، وإشراف قضائى كامل ، وحياد كامل من قبل الأمن .

- يتهم ( إبراهيم الشاعر من الحزب الوطنى بمنشية سلطان ) أنكم دفعتم رشاوى انتخابية فى المرحلة الأولى بواقع 20 جنيها للصوت الواحد .
- لايمكن ان يكون هذا صحيحا ، نحن ابعد الناس عن الرشاوى والإغراءات .

- يتساءل الناس عن هذه الدعاية الضخمة للإخوان ، من أين لكم بهذه الأموال ؟
- غيرنا هم المفترض أن يسئلوا هذا السؤال ، فدعايتنا متواضعة ، ولافتاتنا متواضعة ، بعكس غيرنا الذين كانت دعايتهم وإعلاناتهم تصل إلى حد الاستفزاز .

- شعار الإسلام هو الحل الذى فرق أبناء الأمة ، لماذا تتمسكون به ، ومن الطريف أنى قابلت اليوم فتى أثناء مراقبتى للانتخابات ، اعترض على هذا الشعار لأن المسيحيين قطعا لن ينتخبوه .
- هذا الشعار أخذنا به حكما يقول أنه شعار دستورى يتفق مع الدستور والقانون ، وهو شعار يجمع أبناء الأمة ولايفرقها ، ونحن نرعى العهد ونصون الذمة للأقباط ، ونرى أن لهم كافة حقوق المواطنة ... وهذا الطفل ، فهو مازال صغير يردد ما يردده الكبار .

- مالك تبدو هادئا هكذا ن قبل دقائق من إعلان النتيجة ؟
- هذا من فضل الله علينا ، والهدوء نعمة من الله .

- ماذا تتوقع أن تكون النتيجة ؟
- نسأل الله التوفيق ، والنتائج التى تأتينا تبشر بالخير .

(( الحوار مسجل صوتيا )) .

****

حاولت البحث عن أيمن معاذ مرشح الوطنى كى أجرى معه حوارا ، فلم أجده ، وحين وجدته فيما بعد ، هرعت إلى الصديق حامل الكاميرا ، ولما وجدت الصديق اختفى أيمن معاذ .

بحثت مرة أخرى حتى وجدته ، لكنه كان بادى التوتر ، ورفض إجراء حوارات الآن .

أخبرته اننا من حقوق الإنسان ، وأجرينا حوارا مع المرشح المنافس ، فرفض أيضا ، وقال : بعد ظهور النتيجة إن شاء الله .

****

حين انتهى فرز اللجان ، طلب رئيس اللجنة العامة خروج الجميع فيما عدا المرشحين ، ولم يبق إلا مندوبى المرشحين وثلاثتنا ، ورجال الأمن والمباحث العامة .

تابعت الفرز ، وكان رئيس اللجنة العامة نزيها بالفعل ، يبين لكلا المرشحين ماذا سيفعل بالضبط، ويفتح لهم الصناديق التى تدخل لكى تحمل المظاريف التى انتهى فرزها ليتبينوا خلوها من أى أوراق .. وعندما حدث لبس فى اللجنة رقم 122 ، اتصل من تليفونه المحمول ليتأكد من رئيس اللجنة ، ... إلخ .

كانت كل اللجان تميل لصالح عبد الفتاح عيد مرشح الإخوان على أيمن معاذ مرشح الوطنى ، بفارق صوت أو 10 أو 100 أو 200 فى حد أقصى ، ويستمر الوضع هكذا فترة ... ثم تأتى لجنة يكون الفارق لصالح ايمن معاذ 300 أو 400 أو 800 صوت مرة واحدة .

وكان الموضوع متكافئا .

***

انتهى الفرز ، وبقى تجميع الأصوات ، ودخل رئيس اللجنة مع المرشحين ومندوبهم وواحد من حقوق الإنسان ... وتأخروا إلى الساعة الثالثة صباح الأربعاء .

وقد سمعت من أحد الوكلاء لمرشح الإخوان أنه تقدم بطعن للقاضى ، فيبدو أنه تمت مناقشته بالداخل ، مما أخر ظهور النتيجة .

وفى تمام الثالثة والربع أعلن رئيس اللجنة حصول :

أيمن معاذ - مرشح الوطنى على 27 ألف صوت .
عبد الفتاح عيد - مرشح الإخوان على 31 ألف صوت .

واشتعل التكبير ، داخل اللجنة وخارجها ... واستحال علينا إجراء أى حوارات مع أى أحد .

فانصرفنا راشدين .


مجمل التقرير :

العملية الانتخابية فى دائرة منوف .

- حياد أمنى كامل
- إشراف قضائى كامل
- لاتخلو دائرة من رشاوى انتخابية دفعها الحزب الوطنى للناخبين .


كان معكم من أهدى مكان فى العالم فعلا .. لأن باقى الأماكن كانت مشتعلة :

محمد إلهامى - مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز .

الثلاثاء، نوفمبر 22، 2005

الفن الإسلامى والإعلام

مازلت منذ فترة أنتقد الفن الإسلامى بشدة ، واراه حاصرا نفسه فى قضايا فلسطين ، او أناشيد الرقائق عن الموت والقيامة وخشية الله وعظم الذنوب .... إلخ .

وادعو لاستخدام الموسيقى ، التى تعطى للحن مساحات واسعة من الإبداع والتحسين والتنويع ، بدلا من الآهات وأصوات الأمواج أو زقزقة العصافير التى يستخدمها الإسلاميون فى أنا شيدهم .

كان هذا رأيى قبل ثلاث سنوات ، أما الآن فإن متغيرات كثيرة طرأت على الظروف .

فقد اكتشفت من خلال الملاحظة والتفكير ، أن جمال الأنشودة أو الأغنية واستقرارها فى أسماع الناس لايعود بالضرورة إلى كفاءتها الفعلية ، بل إلى وجود إعلام لايتوقف عن سكبها ليلا ونهارا فى آذان الناس ، وكثيرا ما كنت اسمع الأنشودة أو الأغنية لأول مرة فلاتعجبنى بل قد أنفر منها ، فإذا تكررت على سمعى أكثر من مرة بدأت أتقبلها ، فإذا استمر التكرار أحببتها وتعلقت بها .

وصدق المثل المصرى القائل ( الزن على الودان اقوى من السحر ) .

وفى هذه الفترة الأخيرة التى شهدت خروج كمية كبيرة – نسبيا – من الأناشيد الإسلامية الجميلة بل الرائعة صوتا ولحنا وأداءا ، لكنها لم تخرج أيضا خارج دائرة الإسلاميين أنفسهم .

هى ذات الفترة التى شهدت خروج كمية مهولة من الأغانى الردئية ( لا أقصد المعانى والقيم ، فهى ردئية منذ بدأت ) فى اللحن والأداء ، لكن استمرار وجودها فى حياة الناس ، وظهور القنوات الغنائية التى لاتقدم على مدار الساعة سوى أغان فقط ، كل هذا جعل لها شعبية وانتشارا وتعلق بها الشباب والكبار وغيرهم .

إذن .. لايرجع انحسار الفن الإسلامى فى إمكانيات الأغنية ، بقدر ما يرجع إلى عدم وجود القوة التى تبلغه إلى آذان الناس .

بل طرأ على هذا متغير آخر أكثر أهمية فى الوقت الحالى : وهو تغير الأغنية وانتقالها من دائرة الصوت إلى دائرة الصورة ، والفيديو كليب ، حتى كاد هذا الوضع يلغى تماما فكرة استعمال شرائط الكاسيت ، والتى تبدو ذاهبة إلى الانقراض بخطى ثابتة فى ظل الانتشار الغير معقول لأعداد الذين يمارسون الغناء ، والزيادة الرهيبة فى عدد الأغانى التى تنتج فى السنة الواحدة ، والتى تتبعها زيادات فى شركات الإنتاج والوسائط المختلفة .

هذه الزيادات التى تزامنت مع وجود الانترنت والقنوات الفضائية ، أتاحت للناس مواقع غنائية متخصصة ، يستطيع أى إنسان أن يحتفظ بأى أغنية شاء على جهازه الخاص ، بمبلغ مجانى تقريبا ، بدلا من شراء شريط الكاسيت الذى لايريده فى الغالب إلا لأجل أغنية واحدة .

ومع انتشار أجهزة المحمول التى يمكنها عرض الفيديو ، واجهزة التسجيل الصوتى مثل الـ MP3 ، فإن المستقبل سيشهد تراجعا كبيرا ، لا ابالغ ان قلت انقراضا تاما لسوق الكاسيت ، فى ظل الفوضى القانونية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية فى العالم العربى ، وحقوق النشر على الانترنت .

لعله السبب الرئيسى بنظرى فى انحسار الفن الإسلامى فى دائرة الإسلاميين – على روعته وقوتة التى انتقل لها فى الفترة الأخيرة – هو ان هذا الفن لم يتم تصويره كفيديو ، ولم يعرض على الناس التى بدأت تنتقل إلى دائرة الصورة المتحركة .

لعل الفارق بين تجربة سامى يوسف ، ومصطفى محمود توضح ما أريد .

ظلت أناشيد مصطفى محمود وهو الشاب الذى كان يهوى الغناء ، ثم تاب الله عليه ، فبدأ يغنى للإسلام بخبرته التى لم تتكون فى ظل النشيد الإسلامى القديم الذى كان يقدمه ابو مازن وابو عابد وأبو راتب .. فبدا بخبرته وحده من الصفر فى إنتاج أغانى إسلامية ، وبالفعل خرجت أناشيد مصطفى محمود تحمل نهكة جديدة لم يتعود عليها غالبية الإسلامييين ، فمنهم من رفضها ، لكن الأغلب كان مرحبا بها ، وكان فريق الوعد الذى كونه مصطفى محمود أحد ابرز الفرق الإسلامية التى تحييى الأفراح ، وأغلاها سعرا .

مع كل هذا ، ظلت دائرة مصطفى محمود هى الإسلاميين فقط ، مع استثناءات طبيعية خارج هذا النطاق .
لكن ، تم تقديمه للجمهور العام ، فى حفل ختام المرحلة الأولى من برنامج – مشروع ( صناع الحياة ) الذى يقدمه الداعية الأشهر والأكثر تأثيرا : عمرو خالد ، وغنى مصطفى محمود أغنية ( قلب كبير ) التى يحمل ألبومها نفس الاسم .

وفى نفس الحلقة ، خرج إلى الوجود لأول مرة ، بدون أى سابقة غنائية معروفة المنشد سامى يوسف ، وغنى أغنيته الشهيرة ( المعلم ) فى نفس هذا الحفل .
ما كاد فيديو المعلم ينتشر على الفضائيات إلا وانقلبت الدنيا تجرى وراء سامى يوسف ، الذى تحول فى هذا العام إلى أفضل مطرب أجنبى فى استطلاع أجرته مجلة الشباب المصرية ، وانتشرت أغنيته على الفضائيات بشكل مذهل ، وبشكل أكثر إثارة للذهول على نغمات المحمول ، وصارت من اكثر الأغانى المطلوبة على كل المواقع الغنائية تقريبا ، واحيا سامى يوسف بعدها بشهور حفلات فى وسط القاهرة وفى أفخم فنادقها وكانت أسعار التذاكر عالية جدا بالنسبة لدخل الفرد فى مصر ، وبدأ سامى يوسف ينتشر حتى على قنوات التليفزيون المصرى ، واستضيف فى أشهر برنامج على التليفزيون المصرى فى أول أيام رمضان ( البيت بيتك – رمضان 1425 ) ... فى ظاهرة لفتت نظر كل المتابعين للغناء ، وبدأ جميع الغنائيين – تقريبا – يفكرون فى إنتاج أغانى إسلامية ، وقد كان بالفعل .

وصار سامى يوسف لفترة كبيرة من الوقت حديث الصحافة المصرية ، وصارت الجماهير تترقب ألبوماته ، وتتلقفها كلما خرجت إلى النور .

فى حين ... نسى الجمهور تقريبا مصطفى محمود ، واغنيته الرائعة ( قلب كبير ) رغم أنها الأقرب إلى النغم الشرقى ، كما أنها باللغة العربية التى يفهمها كل الشعب المصرى .

الفارق الوحيد تقريبا : أن مصطفى محمود لم يسجل أى من اغانيه فيديو كليب .

ومازال مصطفى محمود ينتشر فى داخل أوساط الإسلاميين .

لكن ايضا : هناك بالفعل بعض الأناشيد التى تم تصويرها بالفيديو كليب – رغم قلتها – ولكنها لم تنل كل هذه الشهرة ولا نال أصحابها كل هذا القبول لدى الجمهور العادى .. لماذا ؟
وهو سؤال لا شك فى وجاهته ، لكن إذا كانت هذه الأغانى القليلة ، لاتذاع إلا على قنوات محددة وامام بحر متراكم الأمواج من الأغانى الساقطة ن فاحتمالية الوجود والتأثير مازالت ضعيفة ... لكنها بغير شك قابلة للتطور والزيادة .

وإذا كنا مازلنا لم نخرج إلى مرحلة تصوير الفيديو كليب فى عامة الأناشيد الإسلامية ، فإن أمامنا بالتالى فترة أطول حتى نثبت الوجود أولا على ساحة الغناء ، ثم نبحث حبنها فى مسألة الترتيب والتنسيق بين الفن الإسلامى ، وكيف نخطط حينها لمواجهة منظمة مع الفن الساقط .

ثم إن لدينا تراثا عريقا من اناشيد الجهاد والتضحية وقضايا المسلمين ، وهذه الأناشيد برغم اختلاف أسلوبها ، وضعف إمكانياتها ، إلا أنه لو تبناها إعلام قوى ، استطاع تبليغها للناس ، فسيكون لها جمهور عريض ، كما تربى عليها بالفعل جمهور عريض من الإسلاميين مازالوا يعشقون غناء أبى مازن وابى عابد وأبى راتب وابى زياد ... وغيرهم وغيرهم .

من هنا ، فإنه يجب أن نسأل : ماهى المعوقات الحقيقية والقوية التى تعوق دون تصوير الأناشيد الإسلامية كفيديو كليب ؟؟؟؟

او يمكننا أن نفكر بطريقة أخرى ، لكى نثير الجميع لتصوير أغانيهم ، وهى إنشاء فضائية للإنشاد الإسلامى ، ومعلوماتى المتواضعة تقول إن هذا ليس بالأمر العسير تقنيا ولا فنيا ، لكنها لاشك ستصنع الثورة الفنية الإسلامية .. وإذا كنا نعانى فى أول الأمر من قلة الأناشيد المصورة ( وهى بالمناسبة ليست قليلة ابدا .. فلدينا كمية قوية جدا كبداية تستطيع ملء اسبوع من البث دون تكرار ) ، فلامانع من ملء باقى الوقت بالبرامج التى تناقش الفن الإسلامى ومشاكله وقضاياه ، وتستضيف المنشدين الإسلاميين ، وتعرف بتاريخ الفن افسلامى وأبرز رواده ... وكل هذه أمور بسيطة لن نعدم صحفيين ومعدين ومنتجين لها .. لأن تكلفتها قليلة .

ويمكننا كذلك – بل أراه واجبا علينا .. لكن حتى لو اختلفنا فلنؤجل هذه النقطة – أن نستعين بالأغانى التى غناها أى احد مادامت لاتحمل حرمة ، مثل الأغانى الوطنية والدينية لكثير من المطربين العاديين .

وبذلك يستطيع الفن الإسلامى أن ينهض نهوضا كبيرا وسريعا ومؤثرا ، ويجذب قطاعا عريضا من شباب تائه عن نفسه وعن مصيره وعن قضايا بلاده .

20/3/2005

عصفورة الأمن

كنت فى غاية الشوق للعب الكرة ، الرياضة التى أعشقها – كغالب المصريين – لكن ظروف الفترة الأخيرة لم تسمح لى بمزاولتها .
وبينما املأ صدرى من هواء الصباح الباكر ، فالساعة ماتزال السادسة ، ونحن مازلنا بعد فى أيام الشتاء .. أخطو على الأرض ، إذ بى أجد شيئا يتحرك من تحت قدمى ، فحرفت مكان قدمى بسرعة لكى لا أدهسه ، غير أن الذى تحرك ، تحرك نحو المكان الجديد الذى ستطؤه قدمى ، فحرفتها مرة أخرى ، وكدت اقع إثر عدم الاتزان .. ما إن استعدت توازنى حتى التفت فإذا هى عصفورة صغيرة ، رمادية اللون ..

لكنها ...

لكنها ، مشلولة ..

قدميها ضامرتين ، ومنكمشتين تحتها ، ولاتستطيع المشى ، لذا لاتعدو حركتها سوى مجموعة من القفزات الغير منتظمة ، وهى وسيلتها الوحيدة التى تهرب بها من أخطار الطريق الذى صارت الآن فى وسطه ، ربما دون أن تدرى .

تملكتنى الشفقة ، ومددت يدى كى أرفعها من هذا الطريق ، فأحميها من أخطاره الكامنة فى كل قدم ، وكل حافر ، وكل إطار سيارة ... لكنها دفعت نفسها فى قفزة أخرى ، مبتعدة عنى فى خوف واضح .
أمسكتها مرة أخرى ، وفزعت لدى رؤيتى لمدى اضطرابها وخفقان صدرها بين يدى .. سارعت بوضعها فوق نافذة مغلقة ، كى لاتظل فى الطريق تواجه موتا ، كالذى صاحت له نملة سليمان ( لايحطمنكم سليمان وجنوده ، وهم لايشعرون ) .

ما إن وضعتها على النافذة حتى ، ألقت بنفسها مبتعدة عنى ، فسقطت من النافذة إلى الطريق مرة أخرى ، وما ازال أحاول أن أرفعها من الطريق ، وهى لا تيأس من الابتعاد عنى ... تظننى العدو منبع الموت .

ومع كل شفقتى ، إلا أنى يأست ، وابتعدت عنها مودعا .. إذ أن بقاءها هكذا ، لن يتعدى ساعات على أفضل تصور .

وظلت هذه الحادثة تؤرقنى حتى اليوم ، كيف أن كثيرا ممن تقترب منهم مادا إليهم يد المساعدة ، يرون فيك العدو الذى يحمل الخطر ، فيبتعدون عنك فى إصرار ، إن لم يواجهونك فى استماتة .

****
ولم تتركنى الأيام أفكر كثيرا ، فلقد رأيت هذه العصفورة متجسدة فى بشر ، بل فى قطاع عريض من البشر ، يرون فيك العدو ، رغم انك تدافع عنهم وتعمل لصالحهم .

كانت مظاهرة كالتى تخرج كثيرا فى مصر هذه الأيام ، ورايت فى عيون جنود الأمن المركزى من التحفز والتربص ، والاستعداد للانقضاض والافتراس ، ما يفجر الذهول ، ويثير الجنون ، فهؤلاء الفقراء المساكين الذين يذوقون الوان الذل واصناف المرارات فى معسكراتهم ، يستطيع أى انسان من رؤسائهم ان يستخدمهم كخدم فى بيته ، وسعاة لديه يشترون الخضار والفاكهة ، ويغسلون الملابس ( حتى الداخلية ) ، ويمسحون البلاط ، وينظفون الستائر ، ولايلقون بعد كل هذا إلا كما قذرا من سباب وشتائم بل وضرب وحبس وتعذيب .

هؤلاء الذين تنتهك أبسط حقوقهم ، كيف يستعدون بكل هذا التحفز والتربص لافتراس من ينادى بالإصلاح والتغيير ، ويستشهد بهم وبفقرهم لإثبات ما نعيشه من ظلم فادح وطبقية مريرة ؟؟؟؟

وهؤلاء البلطجية الذين تستعين بهم السلطات لمنع الناس من انتخاب الأصلح والأفضل والأقدر على إيقاف الظلم ومحاربة الفساد ، كيف ينطلقون بكل حماس وهمة لإعاقة محاولات وقف الفساد ، وهم فى ذات اللحظة أحوج ما يكونون إلى التخلص من واقعهم البائس الكئيب ؟؟؟؟

بل دعنا نتمادى اكثر من هذا ..

هذا الذى يمسك بالسوط ويهوى به على ظهر معتقل ، يمزقه ويقطعه ... اتراه تجرد من الرحمة فعلا ، أم أنه يظن أن هذا عميل لليهود والأمريكان ، وأنه لو وصل إلى السلطة فسيقلب الدنيا ظلاما ؟؟؟؟

ولقد قال هذا أكثر من واحد ممن ساهم فى التعذيب بسجون عبد الناصر ، وقد رأيت بعينى افلاما أذاعتها قناة العربية ، لبعض التعذيب مما كان يحدث فى سجون صدام حسين ، وهى مشاهد انتشرت فيما بعد على الانترنت ، لعسكريين يضربون بالعصى مشتبها فيهم ، حتى فقد الوعى .. مشاهد مشمئزة أفقدتنى كل تعاطف مع قتلى الشرطة والجيش العراقيين فيما بعد .

لكن ، حين تتفرس فى هؤلاء ، وترى حماستهم فى الضرب ، وتحريهم لمواضع الألم .. تتعجب ، لم يفعل كل هذا ، بكل هذا الحماس ؟؟؟؟

ورغم انه لايمكن لأحد تبرير هذا التوحش ، فإن قراءة لما يحدث ، تصيبك بالحسرة على هؤلاء الجهلة الذين يطفئون النور الذى يحتاجونه ، يطفئونه بكل حماس وهمة وقوة .. ولعلهم يجدون فى هذا العمل لذة العمل ، ولذة البذل ولذة الجهد .

تماما ، كحال العصفورة ، التى اختارت الموت ، فألقت بنفسها فى الطريق مبتعدة عن يد كانت تحميها من هذا الموت .

ترى ، هل هذا غائب عن الحكام ؟؟؟
أم ان تجهيل الشعب هدف من أهدافهم ؟؟؟

وهل يستطيع المصلحون أن ينظروا إلى هذه القطاعات بإشفاق الناصح المحب ؟؟ أم أن أفعالهم لن تترك مجالا للعفو ؟؟

صلى الله على محمد حين قال ( لا .. عسى الله أن يخرج من اصلابهم من يوحد الله ولايشرك به شيئا )
ثم ختم فتحه الكبير بفتح أكبر حين قال لهم ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .

13/3/2005

عبقرية الإيمان الواعى



كم حيرنى موقف سيدنا ربعى بن عامر موفد سيدنا سعد بن ابى وقاص قائد معركة القادسية ]13 : 16 شعبان عام 15 هـ [ إلى رستم قائد الفرس ، حين سأله رستم : مالذى جاء بكم ؟
فقال سيدنا ربعى بن عامر : " ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " .

وإذا أخذنا فى الاعتبار أن سيدنا ربعى بن عامر ، لم يرد ذكره فى التاريخ إلا فى هذه القصة مما يعنى انه كان من عامة الناس الذين لايهتم التاريخ بذكر أسمائهم ، إذا أخذنا هذا فى الاعتبار ، فنحن ننظر إلى فهم ومنطق شريحة من الناس ، وليس فهم ومنطق فرد واحد موهوب معروف بالذكاء والدبلوماسية .

هذا الشرح الموجز المركز المتميز عن الإسلام ، الذى شرح الإسلام فى ثلاث جمل صغيرات لكنه أحاط بروح الإسلام واهدافه ومراميه ، ربما يعجز عنه كثير ممن يطلق عليهم مسلمون بل ومفكرون إسلاميون .

وعلى مافى هذا الشرح الموجز من إبهار ، إلا أن أقوى عناصر إبهاره – من وجهة نظرى – هى التلقائية التى قيل بها ، فلم يكن سابق التجهيز والإعداد بل كان إجابة مباشرة عن سؤال طرح فى لحظة .

فإذا كان عامة المسلمين أيامها يستوعبون معانى الإسلام بهذه الدقة ، فإن هذا يفسر لنا كيف ينطلق المسلمون الأوائل فاتحين فى شرق الأرض وغربها ، فى أسرع مرحلة تغيير حدثت فى التاريخ ، وانهيار امبراطوريتين لتخرج من بينهما فى سنوات الإمبراطورية الإسلامية .

دائما ماتكون الحركة الفاعلة نتيجة إيمان قوى ناتج عن وعى كامل بهذه الفكرة .

فحين طار المشركون إلى ابى بكر الصديق قائلين له : صاحبك يدعى انه ذهب إلى بيت المقدس وعاد فى ليلته ، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرا ؟ ... قال الصديق فى تلقائية وحزم : " إن كان قال فقد صدق " .
لو كان الصديق يشك للحظة واحدة أن محمدا رسول من عند الله يأتيه الوحى من السماء ، لما قبل عقله الراجح أن يصدق هذا أبدا .

لكن إيمانا يملأ قلب الصديق ، جعلته يستوعب فى لحظة بل فى ( لا زمن ) أن محمدا صادق إن كان قد قال ، ولابد أن هذا الإيمان هو ثمرة الاستيعاب الكامل لمعنى الإسلام والرسول والوحى والقدرة الإلهية اللامحدودة .

وفى غزوة أحد ] 7 شوال عام 3 هـ [ ، وقت ان كان المسلمون كالفريسة المتناثرة الأجزاء ، وقد أحاط المشركون بهم ، يحاربونهم من أمامهم ، ويرمونهم من ظهورهم ، وفر الناس من ميدان القتال وأشيع أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد قتل ، ذهل الناس عن المعركة وألقى بعضهم السلاح ، وجلس ذاهلا لايدرى مايفعل ، فلاهو يهرب ولا هو يحارب ، وفى هذه الأثناء ، مر عليهم سيدنا أنس بن النضر فوجدهم هكذا ، فصاح بهم أن جاهدوا ، فقالوا : لقد قتل رسول الله . فأجابهم بنفس الحزم وبنفس التلقائية : وما تفعلون بالحياة من بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله .

إنه حتى لم يفكر فى تكذيب الشائعة ، بل كان موت سيدنا محمد أو حياته أمرا لايجيز السكوت ولا الذهول .

إن فهمه واستيعابه للإسلام والجهاد ، جعله يستنكر القعود ، ويمضى ليموت على ما مات عليه رسول الله ، بل أعلنها عالية : إنى لأجد ريح الجنة دون جبل أحد .

*****

الأمثلة لن تنتهى ، ومالمقصود سوى الاعتبار ، إن التحرك بالإسلام لتغيير المجتمع ، ولإصلاح العالم ، ولمواجهة الجمات الحقيرة على الإسلام والفكرة الإسلامية والأرض الإسلامية ، لايمكن أن يحدث إلا لدى جيل يستوعب معانى الإسلام ورسالته فى الحياة ، وتصوره الكلى عن علاقة الإنسان بالله وبالكون وبالبشر من حوله ، حتى يستطيع هذا الجيل أن يعرف مكان خطواته القادمة كيف وأين يضعها ؟

أما الفهم المغلوط أو المنقوص ، فإنه لاينتج إلا ارتباكا فى المفاهيم أولا ، ينتج عنها ارتباك فى الحركة ، لايمكن أن يؤدى إلى قيام دولة الإسلام ورفع الظلم عن كل المظلومين فى هذه الأرض .

وعلى كل من يحاول التغيير والإصلاح أن يستوعب الإسلام ومعانيه وأهدافه ورسالته ومراميه ، وإلا ظللنا كالثور فى الساقية ، يدور معصوب العينين ، وبعد أن يجهد ويتعب ويدور يصل إلى نفس المكان الذى بدأ منه ، هذا فضلا عن السياط التى تشوى ظهره من كل ناحية .

تفرق شملهم إلا علينا ..... فصرنا كالفريسة للذئاب .

-------------
15/9/2005

صراع الكفاءة والإخلاص

على طريقة الإعانات التليفزيونية :

الإخلاص أم الكفاءة ؟؟ الكفاءة أم الإخلاص ؟؟

ايهما الأقوى والأكثر تأثيرا وإنتاجا وقوة فى العمل ، وأيهما الذى يجب أن يقدم على الاخر إذا افترضنا ان صاحب شركة مثلا أراد الاختيار بين متقدمين للعمل فى شركته ؟؟

المخلص الذى سيترك بين يديه الأموال واثقا فى أنها إن لم تزد لن تنقص ، الذى سيضحى بجهده ويتحمل عملا مضاعفا ، ووقتا إضافيا فى سبيل أن تنمو هذه الشركة ؟؟ أم الخبير المحترف الذى يعرف أقصر الطرق للوصول ، واسرعها وأغزرها مكسبا ؟؟

وإذا استحضرنا روح أطراف الصراع الوهمى ، سنجد المنحاز للإخلاص يصيح فى حماس :

بالطبع المخلص : الذى يعمل فى الشركة كأنه يعمل لنفسه ، لايبخل عليها بجهد مضاعف ، ولا بوقت سيقتطعه من راحته أو من وقت أسرته وأولاده ، ولا بمال يدعمها به ، أو يتحمل تأخر راتبه فى سبيل ان تقوم الشركة من عثرتها وكبوتها ، يجتهد فى البحث عن أفضل الحلول ، وافضل المكاسب ، يفنى نفسه فى استخلاص الأفكار والخطط ، يعتصر ذهنه تفكيرا فى حالها ومستقبلها ... كانه صاحب الشركة نفسها ، أو لربما أكثر .

سيراها بيته الثانى ، بل الأول ، بل الأول والأخير .

لكن المنحاز للكفاءة يصيح :

ومع اتفاقنا فى كل هذا عن المخلص ، لكن كل بذله – للأسف الشديد – فى الطريق الخطأ ، فإن قلة خبرته تدفعه للسير مندفعا ومتحمسا ومخلصا فى اتجاه اليسار ، من حيث أراد أن يذهب إلى اليمين .
يخطئ من حيث يريد الإصابة ، يندفع فى الاتجاه الخاطئ .. بكل حماس .. نعم .. لكنه مازال فى الاتجاه الخاطئ .

وعلى العكس ، الكفء : وإن لم يبذل جهدا إضافيا ووقتا مضاعفا ، فإن مايبذله من جهد قليل ، ووقت بسيط ، كفيل بأن يصل به إلى الأفضل دائما ، لأنه يسلك أقصر واسرع السبل للوصل إلى الغاية ، يحمل – بخبرته – نظرة محترف ، فيعرف إلى اين سيصل ، وكيف ؟؟

يعود المنحاز للإخلاص قائلا :

لكن هذا الكفء ، لا يؤمن على العمل ، قد يترك العمل فى أى لحظة يكون فيها فى أمس الحاجة إليه ، وإذا حدثت اى أزمة عابرة ، وتأخر عنه راتبه ، أو اضطره العمل إلى ساعات إضافية من العمل ، فسيتركه دون التفكير فى المصلحة العامة .. إنه إحدى الوجوه المصغرة للأنانية ، وتفضيل المصلحة الشخصية .

ثم هذه الكفاءة ، إنه لم يولد بها ، بل تعلمها واكتسبها طوال سنين من العمل ، وهذا ليس بعيدا عن المخلص الذى سيدفعه إخلاصه حتما إلى البحث عن الكفاءة ، وحتما سيصل إليها مع اجتهاده فى الوصول ، فلن نخسر سوى بعض الوقت القصير لنكسب الكفاءة المطلوبة .

لكن المنحاز للكفاءة يعترض :

ولماذا نبدأ دائما من الصفر ؟؟ لماذا لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون ؟؟
ثم إن الأمر ، ليس اجتهادا فقط ، فالمواهب الشخصية ، والإمكانات الخاصة ، والتى لاتتوافر فى كل أحد ، ولا يحصل عليها كل من اجتهد .

ومازالت المعركة قائمة .

****

إذا كانت المعركة بهذا الاشتعال فى ذهن واحد يريد ان يعين شخصا لديه فى شركة ، تظل مهما صغرت أو كبرت عملا دنيويا .. فمابالنا لو كانت هذه المعركة مشتعلة فى مجال الدعوة إلى الإسلام ، بين أفراد وخطط الحركات الإسلامية .
فالدعوة إلى الله ، ومحاولات نشر الإسلام والتعريف به ، وتقريب الناس إليه ، وإزالة طبقات الجهل والخوف التى رسبت فى نفوس الكثير من الناس ، وبعض طبقات المثقفين ... هذا فى حد ذاته أقوى وأكثر أهمية ألف مرة من مسألة نهوض شركة أو سقوطها .

ورغم أن المعركة بشكل عام لاتحمل كل هذه الحدة ، بين إخلاص بلاكفاءة مطلقا ، أو كفاءة لايصاحبها أى إخلاص .. إلا أنه فى بعض المجالات وبعض المواقف ، وبعض الأمور ، لابد أن يحسم فيها هذا الأمر إما للكفاءة وإما للإخلاص .

فمثلا:

حين وضع خطة لبدء الدعوة ، أو لتنميتها ، أو لتحقيق مستهدفات معينة فى مكان معين فى زمان معين ، لايمكن أن يقوم بهذا مخلصون يفتقدون لكفاءة وضع الخطط ، التى تنبنى على دراسة تمت حول عناصر وظروف بعينها ، ثم توضع مستهدفات مناسبة فى مدى زمنى محدد ، مع وجود مرونة كافية للتبديل والتغيير .
إذا تصدى لهذا الأمر مخلص يفتقد مهارة وضع الخطة ، فلايمكن للإخلاص وحده أن يحقق الأمل .

****

واستدعاء الأمثلة من السيرة ، والسيرة هى التطبيق أو الخطة التنفيذية للمنهج الإسلامى المنزل من عند الله ، لايحده الحصر .

فيستحيل تقريبا أن تجد موقفا احتاج لأهل الذكر ، الذين هم اهل الخبرة واصحاب الكفاءة فى هذا ، إلا واستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستشارهم .. وصلت فى موقف الهجرة إلى الاستعانة بمشرك خبير بالطريق .

وما تحرك النبى صلى الله عليه وسلم ، إلا بخطة ، فى أسلوب يحمل فى جوفه رفض اندفاعة المخلص الغير محسوبة أو التى لايحكمها العقل البصير .

ولولا أن المقام لايتسع ، لسردنا بالتفصيل عبقرية خطة الهجرة ، وعبقرية خطة غزوة بدر فى اختيار المكان ، والتقدم بعد بئر بدر ، وغزوة أحد ، فى الاحتماء بالجبل ، ثم بالرماة ، والخطة الأكثر عبقرية فى تاريخ الإسلام والتى حمى الله بها المسلمين من الاستئصال ، فى غزوة الأحزاب ، وهى فكرة الخندق ، وغيرها من البعوث والسرايا التى كانت تستأصل فتنا كفتن خالد بن سفيان الهذلى أو كعب بن الأشرف ، وكلها يظهر منها ان الإخلاص وحده لم يعتمد ( وإن كان مهما ، وفى غاية الأهمية ) ، وبالنظر فى سير المعارك ، نجد أنه يستحيل أن يستطيع الإخلاص وحده تحقيق ما حدث ( مع إيماننا بأن الله صاحب الفضل فى كل هذا ، لكن الله أمر بالأخذ بالأسباب ، ووضع فى الكون القوانين التى تسيره ) .

ومما لايليق ابدا ، أن يعرض الإسلام وبطولات الإسلام على أنها كانت إخلاصا فقط ، وهمة تجوب السحاب فقط ، دون أن يتم التعرض لعبقريات الأخذ بالأسباب ، ووضع الخطط ، وتوفيق المصاعب ... وبرأيى أن هذا أحد اسباب اليأس الجزئى الذى يتجلى فى قول بعض الناس ( ياعم ده النبى .. دول الصحابة ) ، لأن فهمهم أنهم انتصروا ببركة إيمانهم فقط ، دون أن يعرفوا كيف أخذوا بالأسباب .

****

مسألة الكفاءة والإخلاص ، هى بالضبط مسألة الهواية والاحتراف .

فحتى البطولات الرياضية ، تنظم المسابقات مع التفرقة بين مسابقات الهواة ومسابقات المحترفين .

والفارق المعروف بين الهاوى والمحترف ، أن الهاوى – فى أى مجال – هو ممارس له ، عن حب وتحمس ، لكنه لايحظى بنفس خبرة ومهارة المحترف الذى قد لايبذل من الجهد ما يبذله هذا الهاوى ، لكنه يعرف كيف ومتى يصل إلى مايريد بأقل مجهود .

وهذا واضح فى كل مجال ، الرياضة ، والغناء بتقسيماته المختلفة من تلحين وتوزيع وتأليف ، وكذلك التصوير الفوتوغرافى والفيديو ، وكذلك التمثيل بكل تقسيماته من تصوير وإخراج وتأليف وإضاءة و .... إلخ .

دائما ، المحترف يستطيع تنفيذ المطلوب بمهارة وخبرة ، وإن لم يبذل كثير جهد .. بينما الهاوى ، لايعطى نفس قوة النتائج ، وقد يكون باذلا أضعاف ما بذل المحترف .

نفس موضوع الكفاءة والإخلاص ، بالضبط .

****

من أوضح المجالات التى اعتمدت فيها الحركات الإسلامية على الإخلاص فقط ، مجال الفن الإسلامى .

ومع يقينى أن الموضوع اكثر اشتباكا ، والعوامل أكثر تعقيدا من مسالة الإخلاص والكفاءة فقط ، وتمتد إلى اختلافات فى الآراء الفقهية ، واساليب فى التربية التى رأت لفترة كبيرة أن هذا من الترف والرفاهية ، ويتنافى مع الجدة والعزيمة والروحانية التى يجب أن يتحلى بها الفرد المسلم ... رغم كل هذا ، فإن مشكلة الكفاءة والإخلاص تحظى بنسبة كبيرة فى هذا الموضوع .

بدا الإسلاميون مسيرتهم من الصفر ، لامن حيث انتهى الآخرون ، باجتهاد شخصى من أناس استشعروا أهمية وجود أناشيد تساهم فى تربية وتقويم الأفراد ، وتمثل بديلا عن فن ساقط ، فبدات الأناشيد الإسلامية من الصفر ، ومازالت إلى اليوم لاتستطيع اللحاق بنفس مستوى الأغانى الساقطة التى يهيم بها الشباب بل والصغار والكبار .

(( أفهم تماما أن هذا ليس السبب الوحيد فى انحسار الفن الإسلامى ، لكن لابد من الاعتراف بأن الفن الإسلامى مازال لاينافس فى كفاءته الفنون الساقطة التى يزخر بها إعلامنا العربى )) .

ساهم فى هذا ظروف كثيرة لاشك ، لكن للأسف تم الاستسلام لهذه الظروف ، فى مقابل رفض تام أن يستعان بأهل الفن الذين هم أهل الذكر واهل الكفاءة فى هذا المضمار ، لما يقدمونه من إسفاف وتبذل ... فنتج عن هذا استمرار التحرك بالخبرة الذاتية وبالإمكانيات الذاتية ، والتى تقل عن خبرتهم وإمكانياتهم .

ومازال الفن الإسلامى لايمتلك كوادر فى مجال السينما والمسرح ، وغيرها .

ورغم أن تجربة مسرح الإخوان المسلمين التى بدأت على يد الشيخ حسن البنا – مؤسس الجماعة – تشى بمدى عمق فهم الرجل للفكرة ، بل يرجع إلى هذا المسرح اكتشاف عدد من رموز المسرح هذه الايام مثل عبد المنعم مدبولى ، ومحمد السبع .

رغم هذا ، إلا أن اختفاء الإخوان فى عهد عبد الناصر ، ثم الصحوة الإسلامية التى بدأت بعد نكبة 1967 ، والتى كانت ميالة إلى السلفية التى ترفض رفضا تاما بعض أنواع وأساليب هذا الفن .. كل هذا ساهم فى التأخر الواضح للفن الإسلامى الآن .

لكن مظاهر صحوة وفوران هذا الفن الآن تشى بمستقبل لامع إن شاء الله تعالى .

***

لكن الفكرة العامة التى أود أن اطرحها ، أن الإخلاص وحده لايكفى .

لأن الجهد رغم قوته لايصب بفاعلية فى الهدف .
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمد على الإخلاص فقط .
ولأن تجربة الواقع تقول بفشل خيار الإخلاص فقط .

والغد إسلامى لاريب .

21/2/2005