الأحد، أغسطس 29، 2010

يا معشر العلماء إما اعتدلتم وإما اعتزلتم

للهم توفني وأنت راض عني، توفني غير مفتون، توفني غير يائس..مولاي.. إن أردت بقومي فتنة فاقبضني إليك غير مفتون..يارب.. ماذا أقول وأنت أعلم بي؟ اللهم اسألك لطفا منك يشملني..

ترى من الأحق بالسب والشتم؟ من الذي يستحق أن أفجر نفسي فيه؟ .. لست والله أدري

لطالما سمعنا من الشيوخ والعلماء ودعاة الحركات الإصلاحية أن العيب في الشعوب، فهي لم تترب جيدا، لم تتأهل، ما زال عدد الذين يصلون الفجر لا يساوي الذين يصلون الجمعة، الناس جبناء، الناس خائفون، الناس جاهلون في حاجة للتعليم، الناس يحتاجون لأن يعرفوا عقيدتهم الصحيحة (وهذا بمعنى تمكنهم من الرد على الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وطوائف الملل والبدع)، الناس لابد أن يتشجعوا (بمعنى أن يصوتوا لصالح المرشح في الانتخابات حتى ولو بدون أمل في النجاح، أو بدون قدرة على الإصلاح ولو فاز).

الشعوب .. الشعوب .. الشعوب.. الأمة الجبانة .. الضعيفة .. الخائرة .. الخاضعة لحكامها... إلخ

حتى لقد تحولت الأمة إلى أسوأ الأمم على لسان الشيوخ، من بعد ما كانت خير الأمم في قرآن الله وسنة رسوله..

والحقيقة أن الأمة بخير، لكنكم أنتم أيها القادة والعلماء والدعاة .. أنتم شر قادة لخير أمة، أنتم الذين لا تستحقون أن تكونوا على رأسها ولا أن تمسكوا بقيادها.. أنتم الذين لا نراكم إلا جبناء خائرين متخاذلين، تخرج منكم كلمة الحق –إن خرجت- وعليها أطنان الحياء والأدب والرقة والتهذب.. أنتم الذين قتلتم الأمة وأركعتموها للجبابرة وسميتموهم "أولياء الأمر".. أنتم الذين صمتم في موضع القول، وتوليتم يوم الزحف.. تعسا لكم وبعدا لكم..

وما أنتم ببعيد من إخوانكم الذين كانوا في الحبشة منذ قرون، حين فرض ملك النصارى على المسلمين أن يسلموا له في كل عام فتاة لينصرها، فكانوا يسلمونها له، غير أنهم كانوا يكفنونها ويصلون عليها ويقرأون لها القرآن ثم يعتبرونها في عداد الأموات..

الآن يتكرر المشهد، وآخر فصوله الأخت المسلمة كاميليا شحاتة التي ستتعلق برقابكم أمام الله، وتقول: هؤلاء خذلوني وأسلموني، وسكتوا عن أمري، وانشغلوا بمؤتمراتهم وبرامجهم وكتبهم، وأموالهم وأولادهم.. وسلامتهم.

يا الله ...

من ذا الذي تخيل أن يقف القساوسة الغادرون الذين خانوا ذمة المسلمين وخفروها على باب الأزهر، محاطين بكلاب أمن الدولة ثم يسألون من أنت و"هات بطاقتك"؟؟؟ لقد حدثت .. أي والله لقد حدثت.. وما أعرف كيف سيقرأ الأبناء والأحفاد هذه الأخبار ويتذكرون هذا التاريخ المرير الفاضح.

إنه والله أمر ما حدث في عهد سيد طنطاوي، أسوأ من تولى مشيخة الأزهر، وحدث في أيام رجل كان البعض يستبشرون به فإذا به يؤكد أنه شر خلف لشر سلف، تحت شر حكم أظل هذه البلاد.. ولئن كنت كرهت الرجل وأسقطته بسبب من جريمته في حق طلاب الإخوان المسلمين، في القضية التي سوقها الإعلام الفاجر باسم "ميليشيات الأزهر"، فوالله إن منع موظفيه من دخول امرأة في الإسلام لجرم يهون دون كل جرم وكل خطيئة وكل قبيحة..

فكيف وهو لم يمنعها من الإسلام فقط، بل أسلمها لمن يفتنونها عن دينها، فيعذبونها أو يقتلونها أو يحبسونها؟؟؟؟

ألا بئس معشر العلماء، ومعشر الدعاة.. تعسا لكل من علم وخاف على نفسه وعلى حساباته ففضل أن يسكت ولا يقوم بواجبه الذي يفرضه عليه العلم.. أم حسبتم أن العلم جاه ومؤتمرات وتقديم في المجالس والفضائيات؟؟؟

وحقا، جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي، وشديدةٌ كمصيبة كاميليا شحاتة كشفت لنا أن أعداءنا ليسوا الحكام فقط، بل الجبناء والساكتين من أهل العلم والدعوة.. ولئن كان علماؤنا –حين كانوا علماء بالفعل- كانوا يقولون للطغاة من قبل: "إما اعتدلتم وإما اعتزلتم".. فإننا نقولها لكم اليوم أنتم يا معشر العلماء والدعاة: "إما اعتدلتم وإما اعتزلتم".

الأحد، أغسطس 22، 2010

الزاهد هو المجاهد!

حينما كتب مايكل هارت كتابه عن المائة الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية وضع محمدا –صلى الله عليه وسلم- في أول القائمة، وقال بوضوح: "لا بُدَّ أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حقٌّ في ذلك، ولكن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي".

ليس هذا قول مايكل هارت وحده، بل هو قول كل ناظر إلى التاريخ طالما كان متجردا للحق، لقد كان محمد –صلى الله عليه وسلم- الأوسع والأعظم والأعمق تأثيرا على مجرى الحياة الإنسانية كلها، ما يجعله –وبجدارة- الرجل الأول في هذه الدنيا.

إلا أن اللافت للنظر أنه حقق هذا كله وكان أزهد الناس في الدنيا، كان يُخرجه الجوع في الليل، ويظل بيته شهورا لا توقد فيه نار تنضج الطعام، كان مهر ابنته وأحب الناس إليه درعا ذهبت المعارك ببهائها فلا لها قيمة في المال ولا مكانة في الجمال، ثم مات هو –صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة.

ذات يوم رآه صحابته وقد أثرت قسوة الحصير الذي كان ينام عليه، فحفرت لنفسها خطوطا في جسده الشريف قالوا له: لو اتخذنا لك وطاء، فقال: "ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها".

ثم لما دخلت امرأة من الأنصار على عائشة ورأت فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهبت فبعثت بفراش أحسن منه، هذا الأحسن كان فراشا حَشْوه الصوف! فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -قال: "ما هذا يا عائشة؟" قالت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك فذهبت فبعثت إلي بهذا. فقال: "رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة".

لم يحفل بالدنيا، وربما صح قولنا أنه احتقرها، ودليلنا في هذا قوله "والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه - وأشار بالسبابة - في اليم فلينظر بم يرجع؟".

وكان يوصي أمته بالزهد فيها، ذات يوم أخذ بمنكبي عبد الله بن عمر وقال له: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".

***

كيف يستوي أن يكون الرجل الأعظم تأثيرا في الدنيا هو أزهد الناس فيها؟ وأكثرهم ترفعا عنها؟ وأقلهم منها حظا ونصيبا؟
وكيف استطاع –وهو يحمل هذا الشعور تجاه الدنيا- فتح الدنيا شرقا وغربا؟ بل وإقامة دين لا يقبل أن تنتزع منه الدنيا، ولا استطاع أحد أن ينتزعه من الدنيا؟

وكيف اجتمع في فؤاد رجل من أتباعه أن ينتضي السيف محاربا، وأن يعلن في الوقت نفسه أن رسالته "إخراج العباد من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة"؟ثم إنه قالها وهو قليل الثياب رقيق الحال، في حضرة من بُسطت له النمارق واستقرت بين يديه الزينات.

وكيف اجتمع لرجل من أتباعه أن يملك الدنيا شرقا وغربا ثم هو نفسه يقول: ليت أم عمر لم تلد عمر؟

من يستطيع أن يفسر كيف حدث هذا؟ كيف اجتمع امتلاك الدنيا والزهد فيها؟ كيف لم يأخذ أحدهما من الآخر: فلا الدنيا أخذت من الزهد فاستولت على القلب، ولا الزهد قعد بالهمة فمنعها من امتلاك الدنيا؟

ما أعجب هذا!! زهد في مُلْك، ومُلْك مع زهد.. وجيوش تملك الدنيا ورسالتها أن تخرج بالناس من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة؛ جهاد زاهد، وزهد مجاهد!!!

***

الزاهد حقا هو من استعلى على الدنيا لا من هجرها، فيجاهد لإصلاحها لا يخشى منها شيئا، ولا يخشى فيها على شيء، لا يغريه ذهب السلطان، ولا يخيفه سيفه.. الزاهد حقا هو المجاهد..

هكذا كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فكان أعظم الرجال أثرا في الدنيا، وهكذا كان صحابته –رضوان الله عليهم- فكانوا خير الناس।

الاثنين، أغسطس 09، 2010

ما أروع الهلال

ربي وربك الله.. ما أروع الهلال

في مجلس من مجالس الذكر، وفي رحاب "رياض الصالحين" قريء حديث طلحة بن عبيد الله الذي يقول: كان النبي إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، ربي وربك الله".. فجرت بالخاطر مشاعر، ثم صار الشعور هذه السطور.

***

هذا شعور بالوصل لا أعلم أحدا هدى إليه غير محمد .. فإذا نظرت إلى الهلال الوليد فلم تجد ثمة ما يربط بينكما، ولا ثمة ما يثير بينكما عاطفة من أي نوع، كان لك أن تصرف عنه نظرك وقلبك.

أما إذا نظرت إليه فقلت ما قاله محمد "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال رشد وخير.. ربي وربك الله". فالآن، قد انبثق في نفسك حب الهلال، وحب الليلة، وحب الشهر القادم.. وحب للحياة.

وكل هذا لأمر بسيط.. ولكنه عميق، بسيط بساطة الوضوح، وعميق عمق الحقيقة الراسخة.. ذلك أن ربكما واحد، خلقك وخلقه، يرعاك ويرعاه، جعله لك ميقاتا، وسألته أن يكون ميقات رشد وخير، وأن يكون باب أمن وإيمان.. سلامة وإسلام.

ذلك هو السر.. سر الله وسر النبوة، سر العظمة المكنونة في كلام النبي ، وهو الذي لا ينطق إلا بالحق، ذلك أنه (لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحي).

هذا السر في هذه الإضافة البسيطة الساحرة "ربي وربك الله"..

ولقد كان بالإمكان –لغة وعقلا- أن يسكت هذا الدعاء عنها ويكتفي بما قبلها، ولكن..

أي شعور هذا الذي زرعته هذه الكلمة البسيطة في نفس الإنسان فحولت هذا الهلال الوليد إلى كائن يتجاذب الحب؟

هل هو شعور الأخوة بينكما.. كما يشعر المرء بالعاطفة نحو أخيه الوليد لأنهما من أصل واحد؟؟

هل هو شعور الفأل الحسن؟؟ .. هلال نور يسفر عن أيام خير ورشد، فالله الذي ارتفع له الدعاء هو الذي خلق الهلال والأيام.. وحينئذ فإن "ربي وربك الله" كأنها شرط على الهلال وتذكير له بهذه الرابطة التي تلزمه أن يكون هلال خير ورشد..

هل هو شعور التجاوب مع الكون في ظل غربة الدنيا؟؟ ذلك الشعور الذي طالما أبدع في وصفه صاحب "ظلال القرآن"، فالمؤمن الذي يعيش في هذه الدنيا غريبا، يقبض على دينه كأنه يقبض على جمر، هو ذلك الذي إذا رفع رأسه إلى السماء وجد مشهدا من النور والجمال، مشهد يستطيع أن يخاطبه في لذة الأنيس الصديق الودود، قائلا بفرح "ربي وربك الله"..

ليكن هذا أو هذا، المهم أنه شعور مريح، يرسل في القلب نبضات من أمان وثقة وسكينة ورضا.. تنزل على النفس كما تنزل قطرات الندى على ورقات الزهور، فتحيلها من حال إلى حال آخر، حال من الوداعة والاطمئنان..

ما الذي كان يحجب هذا الشعور عن النفس؟ ليس الأمر صعبا: نظرة إلى الهلال واتباع للسنة، هل السر في الهلال أم السر في هذه الكلمات البديعة التي جاءت بها السنة؟؟

أيا ما كان.. فإن ثمة سر بديع..

الآن فقط..

ما أروع الهلال..

الأحد، أغسطس 01، 2010

النورمان في أسر الحضارة الإسلامية

النورمان هم القوم الذين ظهروا "فجأة" على مسرح التاريخ في لحظة عجيبة، كانوا قوة عسكرية فتية استطاعت أن تستولي على المناطق الإيطالية التي كانت متفرقة ومتوزعة بين نفوذ البيزنطيين ونفوذ البابوية في روما، وسجلوا انتصارات قوية على كليهما، ثم إنهم أخرجوا المسلمين أيضًا من صقلية بعد حكم دام قرنين من الزمان، وهما القرنان اللذان جعلا لهذه الجزيرة اسمًا مذكورًا في كتاب التاريخ. ثم إن النورمان هاجموا كذلك وانتصروا على المسلمين في إفريقية (تونس الحالية)، واحتلوا بعض الأراضي، وكانت سيطرتهم على المتوسط في هذه الفترة كاملة.
شيءٌ مثير ميّز النورمان الذين طردوا المسلمين من صقلية عن الأسبان الذين طردوا المسلمين من الأندلس، وعن المغول الذين اكتسحوا المسلمين في وسط آسيا وغربها؛ ذلك أنهم استسلموا وبرحابة صدر للتفوق الحضاري الإسلامي، ولم يكن لديهم مانع من أن يرثوا حضارة صقلية الإسلامية، وأن يستفيدوا بمجتمع العلماء والمهندسين والأطباء المسلمين، فكان الحكم للنورمان حكمًا إسلاميًّا في الإدارة والثقافة ونظام البلاط، حتى إن ملوك النورمان كانوا يرتدون الملابس الإسلامية التي كتبت عليها الآيات القرآنية بخطوطها الساحرة، ظنًّا منهم أنها مجرد زينة وزخارف. بل إن بعض العلماء المسلمين عاشوا وأنتجوا في صقلية، وأشهرهم الجغرافي المسلم العالمي الكبير الشريف الإدريسي، صاحب أول مجسم للكرة الأرضية.
ليس يعني هذا أن النورمان كانوا أهل سماحة، فالحقيقة أنهم لم يتسامحوا إلا في جانب الحضارة هذا، فهم قوم متوحشون لا حضارة لهم، ظهروا كقوة عسكرية مرتزقة استعملها بعض الأمراء في أوربا، ثم بلغت قوتهم أن اقتطعوا لأنفسهم مملكة من بين أنياب بيزنطة وروما والمسلمين (الذين انشغلوا بصراعاتهم الداخلية في صقلية، ثم بالصراع الناشب بين العبيديين (الفاطميين) والصنهاجيين في شمال إفريقيا)، وفي كل اقتطاع كان النهب والسلب والذبح شعارًا أثيرًا لهم، إلى الحد الذي دفع باتجاه تعاون الأعداء التاريخيين -قسطنطينية البيزنطيين وروما البابوية- ضد النورمان، فأرسل البابا إلى قيصر القسطنطينية يقول: "يكاد قلبي يتفطر من الأخبار المحزنة التي أنبأني بها رسل ابني أرجيروس، فعزمت على تطهير إيطاليا من ظلم هؤلاء الأجانب النورمان المردة الأشرار الزنادقة، الذين لا يحترمون شيئًا عند اندفاعهم، والذين يذبحون النصارى ويسومونهم أشد العذاب، غير راحمين ولا مفرقين بين الجنسين والأعمار، والذين ينهبون الكنائس ويحرقونها ويهدمونها، والذين يعدون كل شيء فريسة يباح سلبها، والذين أكثرت من لومهم على فسادهم وإنذارهم بسوء أحكامي، وخوّفتهم من سخط الرب، فلم يزدهم ذلك إلا عتوًّا... ولهذا عزمت على شن الحرب الدينية المشروعة على هؤلاء الغرباء الثقلاء الذين أمعنوا في الظلم، وصار أمرهم لا يطاق، وهذا دفاع عن الشعوب والكنائس"[1]. إلا أن الخسارة كانت من نصيبهما.
بقيت -إذن- حضارة الإسلام في صقلية وإن غاب عنها المسلمون، وحدث المشهد الذي تكرر بعد قرنين من الزمان مع المغول؛ لقد أسرت الحضارة الإسلامية من غَلَبُوا المسلمين على أرض القتال والسياسة، وما إن سقطت صقلية وراحت من المسلمين حتى بدأ تغير كبير يطرأ على أخلاق النورمان، لا سيما في عهد الملك روجر. ويمكننا أن نستدل على هذا بكثير من أقوال المؤرخين، غير أننا نفضِّل التقاط فقرتين من المؤرخ الأمريكي الكبير ول ديورانت الذي قال: "ولما فتح أهل الشمال (النورمان) صقلية (1060- 1091م) أعانوا بفتحهم الزمان على محو آثار المسلمين في صقلية، وها هو ذا الكونت روجر Count Roger يفخر بأنه قد سوَّى بالأرض المدائن، والقلاع، والقصور العربية التي بذل المسلمون في إقامتها أعظم الفنون وأعجبها"[2].
هذا في مرحلة الهمجية، فلما استسلموا للحضارة الآسرة كان هذا مسلكهم، "واستعان [روجر الثاني (1101- 1154م)] بمن في صقلية من النابهين المسلمين، واليونان، واليهود، لتنظيم أداة حكومية مدنية وبيروقراطية إدارية أفضل مما كان لأية أمة أخرى في أوربا وقتئذ... ومنح المسلمين واليهود واليونان والكاثوليك حريتهم الدينية واستقلالهم الثقافي، وفتح أبواب المناصب العليا لذوي المواهب على اختلاف أديانهم وطبقاتهم، ولبس هو الثياب الإسلامية التي يلبسها رجال الدين المسلمون، وعاش معيشة ملك لاتيني في بلاط شرقي، وظلت مملكته جيلاً من الزمان أغنى دول أوربا، وأعظمها حضارة"[3].

--------------

[1] جوستاف لوبون: حضارة العرب ص304، 305.
[2] ول ديورانت: قصة الحضارة 13/280.
[3] المصدر السابق 15/254.