الأربعاء، مايو 30، 2012

القول المتين في ثورية الأستاذ حمدين

وسائل الإعلام تسوق حمدين صباحي على أنه صوت الثورة في مقابل الإخوان والفلول، مع أن الإخوان أكثر ثورية من صباحي بلا أدنى شك.. وهذا الدليل.

1. أداء الإخوان طوال أيام الثورة لا يقارن بأداء حمدين أبدا، فحمدين كان يأتي للميدان في بعض الأيام، بينما شباب الإخوان كانوا يبيتون ويواجهون القتل.

2. لم يظهر حمدين طوال أيام الثورة على حد متابعتي، ثم تأكد لي هذا بالرجوع إلى موقعه حيث قال أنصاره "فضل عدم الظهور الإعلامي".. أي أنه كان يحتفظ بالمراكب مع النظام .

3. لم أر حمدين في أي موقف "ثوري" من التي يحارَب الإخوان بتخليهم عنها مثل محمد محمود أو مجلس الوزراء أو العباسية.

4. الأخ حمدين فعل مثل الإخوان تماما وترشح حزبه لانتخابات البرلمان بعد محمد محمود، و"باع دماء الشهداء"، وباعها على قائمة "الإخوان المسلمين" أنفسهم.

5. الأخ حمدين لم يتكلم ضد المجلس العسكري بأي نوع من الثورية، لا على مستوى الأسد حازم أبو إسماعيل ولا حتى خالد علي.. ومع ذلك لم يتهمه أحد بأي صفقات مع العسكر (ولكن الحقيقة أنه أصلا لا يبلغ أن يكون طرفا في صفقة لأنه بلا تأثير جماهيري)

6. الأخ حمدين لم يفعل شيئا -كالإخوان- ضد تطويل الفترة الانتقالية للحكم العسكري، والانتخابات التي دخلها إنما جاءت بفضل الشيخ حازم أبو إسماعيل ودماء شهداء محمد محمود.

ما الذي فعله حمدين صباحي يجعله أكثر ثورية من الإخوان؟؟

تابع وسائل الإعلام وأنت يقظ، قبل أن يصدق فيك قول شوقي

أثر البهتان فيه .. وانطلى الزور عليه

ياله من ببغاء .. عقله في أذنيه

الاثنين، مايو 28، 2012

رؤية.. خارج أوهام الإعلام!

بواقعية شديدة وحتى لا نخوض في أحلام أو أوهام أو معارك يفرضها الإعلام الفلولي المتعسكر:

1. يجب الاستعداد لنبأ فوز شفيق.. فهذا هو ما سيحدث إلا أن تأتي معجزة غير متوقعة.

2. كما يجب الاستعداد لاختبار دموي سينفذه العسكر ضد المعترضين على فوزه، اختبار كاختبار العباسية تماما أو أشد (فتلك معركة فاصلة بالنسبة إليهم)

3. لا تجعل الأمل معقودا على استطاعتك حشد الأصوات خلف مرسي، فثمة آلاف السبل للتزوير، وقد يلجأ العسكر للتزوير الفج والبلطجة في مرحلة الإعادة.

4. المؤكد أن نجاح شفيق ولو لم يصحبه اعتراض من أحد سيعني بداية عهد العسكر الثاني، عهد عبد الناصر، ضد كل من لا يستقيم للعسكر، أولهم الإسلاميون وآخرهم كل من يحترم نفسه.

5. الحشد ينبغي ألا يكون وراء مرسي، بل للتثوير ضد شفيق والعسكر (هذه هي معركة الثورة الحقيقية).

6. ينبغي على الإخوان الفصل الحاسم بين الوطنيين وبين النخبة المتسلقة.. سيستطيعون الوصول إلى اتفاق مع القسم الأول حول أي ضمانات أو تعهدات أو تكوين رؤى وطنية مفيدة في مواجهة العسكر.

7. بينما سيعجزون تماما عن الوصول إلى أي اتفاق مع القسم الثاني، الذي سيكون الجلوس معهم مزيدا من تفخيمهم، وسببا لتفجير أي تفاهم، لأنهم سيفرضون شروطا تعجيزية ويتاجرون بها إعلاميا ولن يرضوا عن الإخوان حتى يكفروا بالله ورسوله ويدخلوا في العلمانية، ولا أحسبهم يرضون أيضا!

8. كل الحملات ضد شفيق يجب (أكرر: يجب / يتحتم ) أن تستخدم الدعاية الدينية، ديننا لا يقف محايدا بين الحق والباطل، وشعبنا متدين بطبعه، وشفيق قد بذل من نفسه ما يسحقه على هذا المستوى، لا سيما كونه مرشح إسرائيل والكنيسة.

9. ادعوا الله لإخوانكم في سوريا، فربما تكون المعجزة التي تغير الحال في مصر هي أن يُقتل بشار، فتعطي الثورة الجديدة أملا لكل الشعوب الثائرة، ودرسا لكل طاغية بأن الثورات الآن غير قابلة للإخماد، فيكون ذلك أول موجة ثورية جديدة قوية.

10. ابرؤا من حولكم وقوتكم إلى حول الله وقوته.. فالله من ورائهم محيط!

أبو إسماعيل - أبو الفتوح، حمدين

1. أبو الفتوح يطالب بتأجيل جولة الإعادة لحين الفصل في دستورية قانون العزل

2. أنصار حمدين يعتصمون أمام مقر لجنة الانتخابات

الحق حق.. لا أعترض على ما فعله المرشحان ولا أنصار الأخير، ولكن..

ثمة فارس نبيل اسمه حازم أبو إسماعيل كان الأكثر جماهيرية منهما وخرج مظلوما فرفض أن يطالب قضائيا بتأجيل الانتخابات مفضلا أن تجري الانتخابات بدونه عن أن تتأجل ليكون فيها..

وأنصاره حين اعتصموا كان لهم الجميع بالمرصاد، فاللجنة شريفة، وحازم كذاب، وأتباعه عمي لا يعقلون، يثيرون التوتر من أجل شخص، ولا يقدرون مصلحة الوطن، ويشككون في القضاء.. و... و... إلخ

السبت، مايو 26، 2012

الإسلاميون أمام مهمة تاريخية

لمرة أخرى: العلماء والمشايخ والقنوات الإسلامية ومنابر المساجد أمام مهمة تاريخية في لحظة فارقة بكل المعاني: الشرعية والوطنية وحتى المادية البراجماتية..

1. حين تكون المعركة أمام باطل لا شك فيه مثل معسكر أحمد شفيق فالتصدي لهذا واجب شرعي.

2. حين تكون المعركة أمام رجل مبارك الذي أفسد الوطن ودمره فالتصدي له واجب وطني.

3. إذا كنت تخشى مخالفة القانون الذي يسمى هذا دعاية دينية أو إدخال الدين في السياسة فتذكر أن هذا القانون أصلا غير شرعي وأن الإسلام لا يقف محايدا بين الحق والباطل.

4. لا تخش من العقوبة فإذا فشل نظام مبارك فسيكافئك الجميع، وإن نجح نظام مبارك فلن يتركك تعيش حتى تنطق بكلمة الكفر أو النفاق، ولن يسمح بأن يكون لك دور في هذه الحياة أصلا.. فإنه يراك خطرا

5. لا تبالي إن نهشك بعض الكلاب وقالوا "دعاية دينية" فالكلاب أنفسهم صمتوا صمت الخنازير أمام موقف الكنيسة غير الوطني وغير الأخلاقي بدعم شفيق.

تذكروا أجدادكم الثائرين على الحملة الفرنسية إذ كان الأزهر عاصمة ثورتهم، تذكروا أبطال الإسلام: عمر المختار والبشير الإبراهيمي وابن باديس والخطابي والقسام وابن عبد الوهاب وابن تيمية والعز بن عبد السلام..

إن نجاح شفيق إنما يعني.. الـذبـــح!!

الثلاثاء، مايو 22، 2012

قوة الثبات لا شجاعة الإقدام

1. بعضهم يؤيد مرسي لأن وراءه جماعة تدعمه وتحميه، لا تسل عن "حجم" الجماعة وإنما سل عن "جرأتها" و"طاقتها الثورية" فكم من عظيم الجسم قليل الشجاعة
2. الطعن في الإخوان شيء وتبيين عدم صلاحيتهم للمرحلة القادمة شيء آخر تماما، والتاريخ مليء بأفاضل وثوار أحبطهم الفشل والسجن فلم يعودوا ثوارا!

3. وإذا بدأنا من الناريخ المعاصر فأقرب مثال: الجماعة الإسلامية في مصر؛ كانوا في وقتهم أشجع وأجرأ الفصائل وإن أخطأوا، وقد دمرتهم أهوال السجون

4. ولعل كثيرين لا يعرفون أن البطل أحمد عرابي لما عاد من المنفى الإنجليزي كان قد فقد ثوريته وتكلم كلاما سيئا جدا عن الصداقة مع الإنجليز

5. وكذلك الشيخ محمد عبده الذي تحول حين فشلت الثورة العربية فرفض المنهج الثوري واتجه للمنهج التربوي الإصلاحي الهادئ المتدرج الذي فشل أيضا برغم أنه تنازل في الثورية حتى صادق كرومر!

6. بل لنوغل في القديم أكثر، لقد تسبب فشل ثورة ابن الأشعث هزيمة العلماء أمام الحجاج لظهور فكرة الانعزال والاستسلام لدى بعض الكبار كالحسن البصري

7. خلاصة القول: لكل زمان أهله، وهم عادة الأجيال الجديدة، وكل الحركات الإصلاحية بدأت عبر شباب، ولم تنجح حركة قادها كهول، ويظل لكل عمله وقدره

8. وأنا أعترف بأني قد انهار تماما وأتحول إلى منبطح إذا تعرضت لجزء ضئيل مما تعرض له من أنقدهم لكن يجب تثبيت الحق لا نصرة أشخاص ولا التماس معاذير

9. لمرة أخرى: الخلاف مع الإخوان غير شخصي.. وتضحياتهم أجلها ولا أنكرها أبدا، ولكن الملحوظة المهمة أنها كانت تضحيات المؤمنين حين أريدوا على تبديل دينهم وأفكارهم صراحة.. لا تضحيات المبادر المواجه.. بمعنى أنها تضحيات من ظل يبحث عن التهدئة والسلام مع الذئاب حتى لم يعد بيده شيء وفقد كل أوراق قوته فلما هاجمته الذئاب صبر على نهشها وتعذيبها ولم يفقد دينه..

بعبارة أخرى: هي قوة الثبات لا شجاعة الإقدام

10. لمرة أخرى: منذ تركت الإخوان لم أتحدث أبدا عن شأن داخلي يخصهم في الحزب أو الجماعة، كل الحديث هو فيما يتعلق بالشأن العام ودورهم وسياستهم، والمؤسف أن البعض يرد بمنطق الجماعة المنغلقة، منطق: وانت مالك!

الأحد، مايو 20، 2012

آفة الرأي الهوى

الغريب فعلا بل المدهش أن الإخوان انتبهوا الآن لـ "علمانية" #أبوالفتوح ولضرورة رئيس إسلامي مخلص للشريعة مثل مرسي!

1. ولا كأن أبوالفتوح كان عضو مكتب الإرشاد لنحو عشرين سنة بلا إنكار..
2. ولا كأن فصله كان لسبب إداري تنظيمي وليس فكريا
3. ولا كأن المرشد ومرسي وباقي القيادات هم من تحدثوا عن التوافقية في ظل وجود #حازم المخلص للشريعة الإسلامية.
4. ولا كأن مرسي لا ينطق بالكوارث بالمقياس الشرعي (الحدود والردة وعقيدة النصارى)

آفة الرأي الهوى.. والحب يعمي ويصم

الأربعاء، مايو 16، 2012

منهج المظلوميات لا يفلح

تجربة الخميني واحدة من أهم التجارب التي ينبغي أن تدرس في معنى الخروج من معنى الاضطهاد والمظلومية والبكائيات واللطمية لمراجعة النفس والمنهج..
1. تراث الشيعة المليء بالأحزان أورثهم منهجا يعطلهم عن العمل حتى يأتي المهدي المنتظر (عجل الله فرجه)

2. جاء الخميني بفكرة تجديدية، تلوم هذا المنهج، فأتى بفكرة "ولاية الفقيه" وأنه ينبغي أن نسعى لولاية الفقيه الذي يهيء العالم لقدوم المهدي المنتظر

3. أصحاب البكائيات والأحزان والفقهاء التقليديين وقفوا ضده ورموه بكل ما أمكنهم من عظائم.. لقد هدد منهجهم وثوابتهم وحطم نظرياتهم التي كتبوا فيها وخطبوا عنها وأسسوا لها

4. ثم نجح الخميني، وها هي إيران دولة قوية يحسب لها حساب.. بعد مئات السنين من منهج فضل أن يكون سلبيا باكيا حتى يأتي المهدي المنتظر.

الخلاصة:

الخروج من الأزمة تكون حين تراجع نفسك ومنهجك وطريقك لا أن تظل تراقب الأعداء والخصوم لتثبت أنهم ظالمون مجرمون، وأنهم يضطهدونك لما تحمله من الحق.. فليس ضروريا أن يكون المظلوم على الحق دائما!

لقطة وعبرة من التاريخ الإسلامي



1. كانت مشكلة القائد الثائر/ المتمرد على الخلافة الإسلامية متمثلة في الغالب في أنه يدخل في دائرة مفرغة كالآتي: استقل ببقعة من الأرض تمثل مركز الثورة، يحتاج للإنفاق على جنوده للحفاظ على الاستقلال، فيضطر لتوسيع تمرده ليحصل على موارد جديدة، فيجبره هذا على الاحتياج إلى جنود ورجال أكثر للحفاظ على الأرض التي اتسعت، وهذا يجعله في حاجة إلى موارد أخرى..

2. البلاد التي حباها الله موارد كبيرة لا تدخل في هذه الدائرة المفرغة، بل يكفي القائد الثائر أن يصنع لنفسه جيشا فيبدأ بهذا مرحلة مجده واستقلاله..

3. مصر من أفضل هذه البلاد التي تستطيع أن تتعافى بسرعة بعد الثورات وتستعيد نهضتها وعافيتها، وبالتالي فإن الذي يحكمها يحتاج فقط لأن يكون مخلصا ليصنع مجدا لنفسه ولمصر!

4. لذلك فإن ضياع الثورة في مصر أقسى وأصعب على النفس من ضياعها في أي مكان آخر.. لأن مصر الأسرع نهضة والأقوى مجدا والأكمل استقرارا حتى في فترة الاضطراب التي تتلو الثورة!

5. حين ترى مصر متخلفة فاعلم أن حكامها ليسوا أهلا لها

الاثنين، مايو 14، 2012

أعذار أقبح من الذنوب

ما نشره أشرف ثابت -وكيل مجلس الشعب عن حزب النور- من أنه كان يقصد بكلامه البلطجية والمخربين الذين حاولوا اقتحام وزارة الدفاع وأنه لم يقصد على الإطلاق المتظاهرين السلميين متهافت من كل الوجوه:
1. تبرير باهت ومحاولة للخروج من الفضيحة بادعاء أنه كان ثمة بلطجية بين المتظاهرين وهو ما لم يقم عليه دليل ولا شبه دليل، وهو يذكرني بفضيحة زميله نائب الترامادول الذي حاول أن يتملص من فضيحته ففَرَّق بين المتظاهرين والبلطجية.. وهو تفريق لا معنى له طالما لم يقم دليل عليه أصلا!

2. حتى البلطجي يجب ألا يحاكم عسكريا، لكن أشرف ثابت وزملاءه مرروا قانون المحاكمات العسكرية الذي ترك للقضاء العسكري تحديد اختصاصاته في القضايا طالما فيها رائحة عسكرية.. وها هو العسكر قد فعلها متغطيا بشرعية "برلمان الثورة"

3. من هم البلطجية والمخربين الذين حاولوا اقتحام وزارة الدفاع؟ ومتى حاولوا؟ وكيف حاولوا؟.. هل لدى وكيل المجلس أي إجابات عن هذه الأسئلة قبل أن يسلم رقابهم للعسكر؟

4. لماذا لم نسمع من سيادته إنكارا على العسكر للمقتلة التي فعلها بلطجيته -بالصوت والصورة- طوال أسبوع على المعتصمين السلميين في العباسية؟ لماذا لم نسمع إنكارا على المذبحة واعتقال الشباب والنساء واقتحام المسجد بالأحذية.. أم أن شرف وزارة الدفاع على بعد كيلو متر أغلى على قلبه من شرف المسجد وأعراض النساء ودماء الشباب؟؟

أعذار أقبح من الذنوب، ومسيرة برلمانية كللت رؤوس الإسلاميين بالعار، ولحى شوهت وجه الإسلام كله.. حسبنا الله ونعم الوكيل يأخذ منكم حق من أسلمتموهم للقتل والذبح بل وأعنتم عليهم

الأربعاء، مايو 09، 2012

أمير البحر غلام زرافة

انتهى عهد العباسيين الأقوياء بموت المتوكل على الله، وابتدأ عصر السيطرة العسكرية التركية على الدولة العباسية التي دخلت به في حالة من الضعف، اللهم إلا فترة الخلفاء: المعتمد (وكانت القوة الفعلية والحكم الحقيقي بيد أخيه أبي طلحة الموفق بالله)، والمعتضد، والمكتفي.. ففي تلك الفترة عاد للدولة بعض من قوتها الذاهبة، وعلى رغم الإنجازات الهائلة التي قدمها أولئك الخلفاء إلا أن ميراث الضعف الذي ورثوه جعل جل جهدهم في إصلاح الضعف وإخماد الفتن وإعادة بسط نفوذ الخلافة، فلم تبلغ الدولة ما كان لها في عهد العباسيين الأقوياء الأوائل.

وإذا اقتصرنا على مشهد العلاقات بين الدولة الإسلامية والدولة البيزنطية، سنجد أن الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري كان واحدا من أحرج وأصعب الفترات في العلاقة بين الدولة الإسلامية والامبراطورية البيزنطية، حيث "كانت الظروف مواتية زمن هذا الامبراطور (باسيل الأول) لتحقيق نصر في هذا الميدان (الحروب الإسلامية البيزنطية) لأن علاقات الامبراطور كانت حسنة مع: أرمينيا في الشرق، ومع الروس والبلغار في الشمال، ومع البندقية والامبراطورية الفرنجية في الغرب، وإذا أضفنا إلى هذا الجو من الصداقة والود مع هذه الأقوام، ظروف الخلافة العباسية الداخلية وما كانت تعيشه من أزمات إبان تسلط ضباط القصر الأتراك على الخلفاء وانفصال مصر عن جسد الخلافة زمن الطولونيين، واضطراب الأوضاع في الغرب الإسلامي لوجدنا أن باسيل كان يتمتع بفرصة ذهبية لتحقيق نصر على المشرق والمغرب، ولكن على الرغم من كل هذه الظروف المواتية، وبرغم أن الحرب بين الطرفين العربي والبيزنطي لم تتوقف لم تستطع الإمبراطورية تحقيق نصر في هذه الجبهة"[1].

وكان هذا من فضل الله تعالى، ثم بفضل الأبطال الذين جاهدوا في الثغور وتحملوا عبء صد الهجمات البيزنطية بل ومهاجمتها في عقر دارها أكثر من مرة، فحفظوا ثغور الإسلام وحدوده في لحظات عصيبة.

من هؤلاء الأبطال، صاحبنا "غُلام زرافة"..

***

البحث التاريخي في شخصية غلام زرافة وأهم معاركه يعود فيه الفضل لاثنين من المؤرخين، لا أعلم غيرهما تناول هذا الموضوع، أولها: المؤرخ الكبير محمد عبد الله عنان في كتابه "مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام"[2]، وثانيهما: المؤرخ المحقق د. عمر عبد السلام تدمري في كتابه "لبنان.. من قيام الدولة العباسية حتى سىقوط الدولة الإخشيدية"[3]، فأما الأستاذ عنان فهو الذي ربط بعد جهد بين اسم بطلنا في الرواية العربية الفقيرة في الحديث عنه، وبين اسمه في الروايات البيزنطية التي تفيض بما فعل، وأما الدكتور عمر فقد سدَّ الخلل الذي تركه الأستاذ عنان فنقب في الكتب العربية بين الشذرات والسطور عن أصله ونسبه ونشأته.

ونحن في هذه السطور القادمة عيال على مجهودهما!

ومن المؤسف حقا أن رجلا بحجم ومكانة وإنجاز "غلام زرافة" لم يأخذ حقه من المعرفة والمناقشة، رغم أنه –بوصف محمد عبد الله عنان- "أعظم بحار في ذلك العصر، وأعظم بحار مسلم على الإطلاق"، وهو –بوصف المؤرخ جورج فينلاي– "الأبعد أثرا والأكثر جرأة ومهارة بين أمراء البحر المسلمين"[4]، وهو "البطل المشهور" بوصف تاريخ كمبرديج للعصور الوسطى.

***

هو في الرواية البيزنطية باسم "ليو الطرابلسي" (Leo of Tripolis)، وفي الروايات الإسلامية "لاوي" و"لاون" و"لاو" و"الزرافي مولى المقتدر العباسي" و"لاوي الطرابلسي" و"لاوي الزرافي"، غير أن اسمه الأشهر هو غلام زرافة، وذلك أنه كان مملوكا لزرافة حاجب الخليفة المتوكل، والذي ظل في سامراء (عاصمة الخلافة في ذلك الوقت) حتى اضطربت الأحوال بالصراعات بين الأتراك وثورة العامة عليهم حتى خرج أكثر من أمير إلى خارج العاصمة، فكان زرافة ممن خرج إلى طرابلس الشام.

في ذلك الوقت كان طفل آخر قد وُلِد في مدينة أنطالية (أتاليا) على الشاطئ الجنوبي لآسيا الصغرى البيزنطية (تركيا الآن)، وفي واحدة من المعارك البحرية بين الأسطول الإسلامي والبيزنطي التي كان البحر المتوسط مسرحا لها، وقع الغلام أسيرا لدى المسلمين، واستقر به الحال في طرابلس (بين عامي 249 – 252 هـ / 863 – 866 م)، عند أميرها زرافة الذي اتخذه لنفسه، وبهذا صار "غلام زرافة"، وأضاف رقما جديدا إلى سجل لا يعد ولا يحصى من أبطال الإسلام ممن كانوا سبايا وأسرى في صغرهم، ثم نشأوا في المجتمع الإسلامي، فاعتنقوا الإسلام ثم جاهدوا في سبيله وصاروا أعلامه ورجاله.

ويذكر الكندي –مؤرخ مصر، وصاحب كتاب "الولاة والقضاة"- اسما آخر لصاحبنا غلام زرافة، فيسميه "رشيق الوردامي"، وهو ما يُفسره د. عمر عبد السلام بأنه دليل على رشاقته، وعلى لون بشرته "الوردي الدامي" التي تدل على أصوله اليونانية.

في ذلك الوقت لم يكن أحد من أهل مدينة أنطالية البيزنطية يتخيل أن المسلمين قد ظفروا بفتى سيكون بطل أكبر غزوة إسلامية تفتح هذه المدينة البيزنطية، بعد حوالي أربعين سنة!

***

كانت طرابلس المدينة الشامية الباسلة، إحدى ثغور الإسلام على البحر، وواحدة من أهم مراكز الجهاد البحري، فكثر فيها البحارة، وكان ميناؤها حافلا بالسفن الحربية، فكان يظللها جو الجهاد.. وهناك نشأ غلام زرافة وترعرع، وتعلم الجهاد والبحر، ووجد من المعلمين من أعده ودربه إعدادا حسنا، كما وجد من المجاهدين الكبار من ملأ عليه خياله وطموحه، فأرض الجهاد حافلة بالسير والبطولات وروائع القصص التي تسحر خيال الفتية والشباب! وفي ذلك الوقت كان العهد قريب بعدد من الأبطال العظام في تاريخ المعارك الإسلامية مثل عمرو بن عبيد الله الأقطع، وعلي بن يحيى الأرمني، ويازمان الخادم الذي وصفه المسعودي بقوله "كان يازمان في نهاية البلاغة في الجهاد في البر والبحر، وكان معه رجال من البحريين لم ير مثلهم ولا أشد منهم، وكان له في العدو نكاية عظيمة، وكان العدو يهابه وتفزغ منه النصرانية في حصونها، ولم يُرَ في الثغور الشامية والجزَرِية -بعد عمرو بن عبيد اللّه بن مروان الأقْطَع صاحب ملطية، وعلي بن يحيى الأرمني صاحب الثغور الشامية- أشد إقداماً على الروم من يازمان الخادم"[5].

وقد أبدى غلام زرافة من المواهب والإمكانيات والاستعداد، ما صار به أميرا على طرابلس، وقائدا للجهاد المنطلق منها، وظهرت كنيته "أبو الحرب"!

وبطول الجهاد في البحر أمسى غلام زرافة خبيرا بجغرافية البحر المتوسط، يستفاد هذا مما ذكره المؤرخ والرحالة المسعودي في قوله: "شاهدت أرباب المراكب في البحر الرومي من الحربية والعمالة وهم النواتي وأصحاب الرحل والرؤساء ومن يلي تدبير المراكب والحرب فيهم، مثل لاوي المكنى بأبي الحرب غلام زرافة صاحب طرابلس الشام من ساحل دمشق، وذلك بعد الثلثمائة يُعَظِّمون طول البحر الرومي وعرضه، وكثرة خلجانه وتشعبه"[6].

وورد عن غلام زرافة ما يفيد إيمانه وغيرته على الإسلام حتى لقد عاقب رجلا بلغه انحرافه عن الإسلام، وتلبسه ببدعة، حتى لقد رفع الرجل إلى ابن غلام زرافة شعرا يقول فيه:

لئن كنت ظلما قد رُميت ببدعة ... وعضضتني ناب حديد من الدهر

فإني على دين النبي محمد ... وصاحبه في الغار أعني أبا بكر[7]

وقد عاش غلام زرافة حياته في طرابلس، فيها نشأ وترعرع وتعلم، ثم جاهد وغزا، تزوج وأنجب، وكانت له ذرية من أهل العلم والفضل والأدب، فابنه محمد كان فاضلا أديبا وذكره ابن عساكر في ترجمة دمشق، وحفيده محمد بن عبد الصمد كان من أهل الحديث وعنه أخذ الحافظ محمد بن علي الصوري وعبد الرحيم بن أحمد البخاري، وهذا الحفيد كان ابنه عبد الصمد أيضا من المحدثين في بيروت ودمشق، وابنه عبد السلام من المحدثين في مصر، وتولى عدد من هذه الأسرة مناصب رفيعة ورويت أشعار في الرثاء والمدح لبعضهم.

***

ظل غلام زرافة يجول في البحر المتوسط، قائدا للبحرية الإسلامية، ويغزو الثغور البيزنطية، لا سيما مسقط رأسه أتاليا، وهو ما سنعرض إليه في المقال القادم إن شاء الله تعالى، حتى رماه بابادوبولس بأنه "الطرابلسي اليوناني العاصي"، ووصفه المستشرق أوستروغورسكي والمؤرخ جورج فينلاي بالمرتد، وهو الوصف الذي يشيع عنه في الكتابات الغربية[8].

وكعادة الكثيرين من القادة العِظام، لم يفلتوا من هزيمة قاسية، تلقى غلام زرافة هذه الهزيمة بشكل مفاجئ في عام (313 هـ / 924 م) أمام شواطئ اليونان وفي مقابل الأسطول البيزنطي الذي قاده الامبراطور رومانوس بنفسه، وفاجأه بالهجوم عند جزيرة لمنوس، في كمين خسر فيه غلام زرافة الكثير من بحارته، وتختلف الروايات بين نجاته بأعجوبة من هذه المعركة، أو بين مقتله، والرواية البيزنطية تميل إلى مقتله بالطبع، فيما يرجح د. عمر عبد السلام تدمري أنه نجا من المعركة، ولا نعرف عن هذه المعركة معلومات وافية.

***

في المقال القادم بإذن الله سنتكلم عن جهاد غلام زرافة وغزواته البحرية التي أقضت مضاجع الروم، وأهمها غزوته الكبرى الشهيرة لسالونيك اليونانية.



[1] د. سهيل زكار: الموسوعة الشاملة في الحروب الصليبية، دمشق، 1415 هـ = 1995 م. 3/214، 215.

[2] محمد عبد الله عنان: مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام، الناشر: حسين عنان، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1417 هـ = 1997 م. ص93 وما بعدها.

[3] د. عمر عبد السلام تدمري: لبنان.. من قيام الدولة العباسية حتى سقوط الدولة الإخشيدية (132 – 358 هـ / 750 – 969 م)، جروس برس، طرابلس، لبنان، الطبعة الأولى 1412 هـ = 1992 م. ص81 وما بعدها.

[4] Georgr Finaly: History of the Byzantine Empire, William Blackwood and sons, Edinburdh, p317.

[5] المسعودي: مروج الذهب، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، الطبعة الخامسة، 1393 هـ = 1973 م. 2/582، 583.

[6] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر. 1/129.

[7] ابن عساكر: تاريخ دمشق، دراسة وتحقيق علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1419 هـ = 1998 م. 13/331.

[8] د. عمر عبد السلام تدمري: لبنان منذ قيام الدولة العباسية حتى سقوط الدولة الإخشيدية ص85.

وانظر أيضا، تاريخ كمبردج للعصور الوسطى، و:

Georgr Finaly: History of the Byzantine Empire, p318.

(http://en.wikipedia.org/wiki/Leo_of_Tripoli)

الأحد، مايو 06، 2012

اللحظة الفارقة أو اللحظة القاتلة

لا بأس بالتكرار:
1. بالإمكان فض ميدان التحرير مثلما تم فض العباسية، وحدها لحظات الثورة هي التي تمنع المجرم ذا السلاح من استعماله!

2. المجرمون لا يحتاجون إلى ذرائع، ولا ينقذ الضعيفَ أنه يتراجع وينسحب سحبا للذرائع!

3. لا توجد ثورات "ديليفري" أو "تحت الطلب".. ما لم تقتنص اللحظة الفارقة فستجد نفسك أمام اللحظة القاتلة!

4. السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه!

اللهم فاشهد!

الجمعة، مايو 04، 2012

سقوط صقلية الإسلامية

يعرف المسلمون أن ثمة أرضا كان اسمها الأندلس ضاعت منهم، ولكن البلاد التي ضاعت –غير الأندلس- كثير، ومن المؤسف أن أغلبها ما زال مجهولا لعامة المسلمين، ومن هذه البلاد جزيرة صقلية (الإيطالية الآن) والتي ظلت تحت الحكم الإسلامي لنحو قرنين من الزمان، صعدت فيهما على خارطة التاريخ، فلما أن سقط عنها الحكم الإسلامي، عادت مرة أخرى جزيرة غير ذي قيمة، وما زالت حتى هذه اللحظة من المناطق التي لا تبلغ ما وصلته النهضة الأوروبية في مناطق الشمال الإيطالية.

وقد ألمحنا في مقالين سابقين إلى فكرة بسيطة عن صقلية الإسلامية، حضارتها الإنسانية والمادية، وها نحن نختم بهذا المقال عن سقوط الحكم الإسلامي في صقلية[1].

***

ظهور النورمان

كانت إيطاليا في ذلك الوقت منقسمة على نفسها بين القوى الحاكمة، كانت تعيش ما يمكن أن نسميه "عصر ملوك الطوائف"، فكانت بوليا وقلوريا تابعتان للامبراطورية البيزنطية، بينما كانت بينيفيتو وكابوا وساليرنو إمارات لمباردية، فيما كانت جايتا ونابولي وأمالفى جمهوريات صغيرة مستقلة.

وتعد ظروف الانقسام والحروب الداخلية هدفا مغريا للمغامرين الطموحين، لا سيما إن كانوا مجموعة من العصابات المرتزقة التي تقطن شمال فرنسا، فهم يوفرون عدة للأمير الذي يريد شن الحرب ما دام يملك الأموال، وبتوالي الأحداث ظهر مغامرون أكثر جرأة طمحوا في أن يستولوا على هذه البلاد لحسابهم هم بعد أن ضاقت بهم فرنسا الفقيرة.

أتت عصابات النورمان من الشمال الفرنسي لتساعد أمراء الحرب في إيطاليا، وكان مستقرهم الأول في مدينة ساليرنو على الساحل الغربي لإيطاليا، وحيثما أرادوا التوسع فقد اتجهوا نحو الأملاك البيزنطية، جنوبا وغربا، ونحو الجمهوريات الصغيرة المستقلة شمالا وفي الشمال الشرقي.

توسع النورمان في إيطاليا، واستطاعوا تحقيق انتصارات كبرى على الإمارات البيزنطية في عهد قائدهم وليام (ت 1048 م) الملقب بـ "صاحب الذراع الحديدي" (William of the iron Arm)، وأخيه دروجو (Drogo) (ت 1051م)، فتولى أخوه روبرت جيسكارد زعامة النورمان وبدأ التوسع في منطقة قلوريا في الجنوب الغربي لإيطاليا، وهو الجزء المتاخم لصقلية، ثم اقتسم المهام مع أخيه روجر، فتولى جيسكارد التوسع النورماني في الشمال والشرق مع البيزنطيين، فيما تولى روجر التوسع في الجنوب تحت قيادة أخيه.

كان النورمان عصابات مرتزقة، تكتسح بلا تردد وتقتل بلا رحمة وتحرق الكبار مع الصغار، ولا تفرق بين الرجال والنساء والعجائز والأطفال، وبلغوا من الوحشية حدا فظيعا جعل البابا ليو التاسع في روما يتحالف مع الامبراطور البيزنطي رغم كل الخلافات السياسية والدينية العميقة، لإيقاف هذا الطوفان الوحشي، ولكن يد النورمان كانت الأعلى، بل استطاعوا هزيمة البابا وأسره (1053 م).

بعد ست سنوات من هذه المعركة لم يكن أمام البابا نيكولاس الثاني إلا أن يعطي الشرعية لجيسكارد، ويوليه على المناطق الجنوبية الإيطالية (قلوريا، أبوليا، صقلية)، وهي المناطق التي يسيطر عليها فعليا أخوه روجر!

استمر التوسع النورماني إلى أن استولوا (1060 م) على مدينة ريو (ريجو) التي تعتبر المدخل إلى صقلية، وهنا سنركز على المشهد في الجنوب مع روجر، تاركين مشهد الشمال وتوسعات جيسكارد.

***

أحوال المسلمين

أما المسلمون، فقد جرت عليهم سنة الله في خلقه، وقد هدموا أنفسهم قبل أن يهدمهم عدوهم، وفقدوا الجزيرة عبر ثلاثين سنة (453 – 484 هـ /1061 - 1092).

كانت صقلية باعتبارها من خطوط الاحتكاك دائما في قلب المعارك بين المسلمين والدولة البيزنطية، وحين قامت الدولة الفاطمية (العبيدية) في المغرب، ظهر نزاع بين المسلمين لم تكن الجزيرة بعيدة عنه، فكثيرا ما تناوشت السيطرة على الجزيرة الدولة العبيدية، والأغلبية، ثم العبيدية والصنهاجية، وأحيانا العبيدية والدولة الأموية في الأندلس.

إلا أن كل هذا لم يكن مؤثرا على مستوى الوجود الإسلامي في الجزيرة، ولكن الأزمة الفعلية على مستوى الوجود بدأت حين انقسمت صقلية نفسها في أربعينيات القرن الحادي عشر الميلادي إلى "عصر الطوائف"، بدأت بحرب أهلية عام (431 هـ / 1040م )، بين ممثلي الدولة العبيدية والصنهاجية: الوالي صمصام الدولة العبيدي، والأمير عبد الله بن المعز الصنهاجي، هُزِم فيها عبد الله بن المعز، ولكن ولاية الصمصام أيضا لم تدم، واستمرت الاضطرابات 12 عاما (431 هـ- 443 هـ/ 1040-1052 م ).

وأسفرت هذه الاضطرابات عن تفتت الجزيرة إلى مناطق نفوذ متعادية يحكمها أمراء من العسكر على النحو الآتي:

استولى القائد العسكري عبد الله بن منكود على الأجزاء الغربية

كما استولى القائد العسكري ابن المكلاتي على قطانية (في الشرق)

واستولى القائد العسكري ابن الحواس على قصريانة وجرجنت (في الوسط)

وأصبحت باليرمو (العاصمة) -بعد خلع الصمصام منها- يحكمها جماعة من الأعيان

ثم ظهر قائد -سيتكرر اسمه معنا- وهو ابن الثمنة الذي استولى على سرقوسة (في الجنوب الشرقي)

وبين هؤلاء الأمراء انتشرت العداوة والبغضاء والتحاسد، والاقتتال، وكانت كثرة الأعراق في الجزيرة عاملا يزيد من العصبيات والانقسامات، وفي جولة من هذه التقاتلات، هزم ابنُ الحواس ابنَ الثمنة، فقام ابن الثمنة بالخيانة المشهورة عبر التاريخ .. ذهب إلى النورمان وأغراهم بدخول الجزيرة!!

***

السقوط

كان لابد لقوم همج مرتزقة مثل النورمان أن يجذبهم الخصب والغنى الموجود في صقلية، وحاول روجر مهاجمة مدينة مسينا على الساحل الشمالي الشرقي لصقلية، ولكنه فشل مرتين (1060م، فبراير 1061م).

لكن الفرصة جاءت له على طبق من ذهب حين راسله ابن الثمنة ليتحالف معه مقابل أن يعطيهم جزءا من الجزيرة، ولمزيد من ضمان الولاء فقد وضع أحد ابنائه رهينة عند روبرت جيسكارد، فلما استوثقوا من ولائه لهم هاجموا مسينة بمعونته، واستولوا عليها (453 / 1061م) واتخذوها قاعدة لأعمالهم الحربية التي سيطروا منها على أكثر من مدينة . ولكن اضطر روجر أن يعود إلى إيطاليا لمساعدة أخاه جيسكارد، فواصل ابن الثمنة الحملة ولكنه توفي في العام التالي (1062م)، ثم حدث خلاف بين الأخوين روبرت جيسكار وروجر فلم يحدث تقدم نورماني في هذه الفترات، ثم جاء نزاع آخر بين الأخوين أدى إلى تقهقر النورمان إلى صقلية، وفي هذه الأثناء ثار ضدهم السكان النصارى لطبيعة الأسلوب المتوحش للنورمان حيث ينهبون ويسلبون ويستبيحون النساء.

ذهب المسلمون بستصرخون المعز بن باديس (الأمير الثاني في الدولة الصنهاجية بإفريقية) فبعث بأسطول كبير غرق أكثره بفعل عاصفة بحرية. ولم يستطع مد يدن العون مرة أخرى لانهزاماته المتوالية أمام القبائل العربية من بين هلال وبني سليم الذين كانوا ذراع الدولة العبيدية، واجتاحوا بلاده حتى أنه نقل عاصمته إلى المهدية.

ولما تولى تميم بن المعز الحكم، أرسل أسطولا إلى الجزيرة عام (454 هـ/ 1062م)، بقيادة ابنيه علي وأيوب. أما أيوب فنزل في بلرم، وأما علي فتوجه إلى جرجنت، ثم أنضم إليه أيوب، وبدا لوقت من الزمن أن الوضع هدأ إذ لم تدر معركة بين المسلمين والنورمان حتى عام 1067م، أي لمدة خمس سنوات، ويبدو أن عمل القائدين اقتصر على تحصين المدن الإسلامية، ولا تشير المصادر إلى محاولات من جانب المسلمين لاستعادة مسينة أو المدن الأخرى التي حازها النورمان.

بدأت الأزمات عندما نشب صراع بين علي -قائد الحملة- وابن الحواس، تشير بعض المصادر إلى حب أهل جرجنت لعلي وخشية ابن الحواس على مكانه، وتطور هذا الصراع إلى قتال قتل فيه ابن الحواس، ومالبثت أن نشبت صراعات أخرى بين الصقليين والحملة الإفريقية، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا الجو المنقسم أن استطاع روجر إنزال هزيمة حاسمة بعلي وأيوب (1068 م) ليعود القائدان بعدها إلى إفريقية وقد اعترت أحوال المسلمين اضطرابات كبيرة بالجزيرة.

وكالعادة في عهود الضعف، تضيع لحظات ذهبية كان من الممكن أن تغير التاريخ، فكما فرط المسلمون في المدن تباعا، رغم انشغال النورمان بصراعاتهم مع البيزنطيين، ومع البابا في روما، ومع الأزمات التي نشبت بين روجر وجسكارد، وثورة النصارى ضد النورمان، إلا أن كل هذا لم يدفع باتجاه إعادة تحرير مسينة.

وتكررت الفرصة مرة أخرى، إذ اضطر روجر ثانية أن يعود إلى إيطاليا للمساعدة في الصراع ضد بيزنطة والبابا، وما إن انتهت الحرب في الشمال حتى كان روجر مدعوما بقوات من أخيه جيسكارد يتجه لمحاصرة العاصمة الصقلية باليرمو، ولموقعها الحصين ووقوعها على البحر، تم الحصار بالبر والبحر، واستمر عدة شهور سقط فيه كثير من الطرفين، وانتهى باستسلام المدينة (ربيع الثاني 464 هـ/ يناير 1072م).

أدى سقوط العاصمة إلى انهيار مدن أخرى في الشمال والغرب، وتركز المسلمون في الشرق والجنوب، وظل الانقسام قائما في معسكر المسلمين، فتوزعت المدن الإسلامية الأخرى في ولائها إما لأمير سرقوسة (الجنوب) أو لأمير قصريانة (في الوسط).

بعد سقوط باليرمو ظهر الفارس ابن عباد الذي قاد المقاومة ضد النورمان لعشر سنوات من مدينة سرقوسة الجنوبية، وظل يبدي بطولة ويحقق انتصارات هي أقصى ما يستطيعه فارس في ظروفه، خصوصا مع ما يبدو من خذلان ابن حمود أمير قصريانة ( في الوسط) له. حتى قتل ابن عباد وسقطت سرقوسة عام (1082م).

بعد ذلك بشهور سقطت جرجنت، فلم يبق بيد المسلمين من المناطق الهامة إلا قصريانة، التي مالبث أميرها ابن حمود إلا أن استسلم وتنصر وصار من رجال النورمان وأنعموا عليه بإقطاع خارج صقلية في إقليم قلوريا الإيطالي.

ومنذ تلك اللحظة نستطيع أن نقول إن الجزيرة كانت في حكم النورمان، الذين مهما استدعت ظروفهم الصعود إلى إيطاليا فلم تكن هناك حركات مقاومة من المدن الإسلامية الباقية، التي ظلت موجودة حتى عشر سنوات أخرى إلى أن سقطت تماما عام (484 هـ / 1091م).

***

بشائع النورمان

لم تتوقف أساليب النورمان الحربية وبشائعهم عند المسلمين بل شملت كل شئ، أملاك المسيحيين، بل أملاك البابا، والأديرة، بل البابا نفسه، وهذا ما كتبه الأوروبيون أنفسهم، ويمكننا أن ننقل طرفا من هذا عن جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب):

"كان همهم مصروفا إلى النهب على حسب عادة ذلك الزمن أكثر مما هو مصروف إلى الدفاع عن دينهم، والذين تساوى الأغارقة والإيطاليون والعرب في نظرهم فصاروا يسلبون هؤلاء جميعا بنشاط ... ولم ينشأ عن أعمال حماة الدين النورمان سوى تخريب تلك البلاد بسرعة، ولم يلبث أهلوها أن اعترفوا بأن صداقة فرسان النورمان أشد وِقرا من عداوة العرب، فاستغاثوا بالبابا لينقذهم النورمان، ولم يجد إنذار البابا للنورمان نفعا، فأرسل إلى قيصر القسطنطينية كتابا يدلنا على سوء معاملة جيش نصراني في ذلك الزمان لبلاد صديقة استُوْلِيَ عليها.

يقول البابا:

"يكاد قلبي يتفطر من الأخبار المحزنة التي أنبأني بها رسل ابني أرجيروس، فعزمت على تطهير إيطاليا من ظلم هؤلاء الأجانب النورمان المردة الأشرار الزنادقة الذين لا يحترمون شيئا عند اندفاعهم، والذين يذبحون النصارى ويسومونهم أشد العذاب غير راحمين ولا مفرقين بين الجنسين والأعمار، والذين ينهبون الكنائس ويحرقونها ويهدمونها، والذين يعدون كل شئ فريسة يباح سلبها، والذين أكثرت من لومهم على فسادهم وإنذارهم بسوء أحكامي وخوفتهم من سخط الرب، فلم يزدهم ذلك إلا عتوا ... ولهذا عزمت على شن الحرب الدينية المشروعة على هؤلاء الغرباء الثقلاء الذين أمعنوا في الظلم وصار أمرهم لا يطاق، وهذا دفاعا عن الشعوب والكنائس"[2].

يواصل لوبون "وداوم النورمان على اقتراف جرائم النهب عمدا في صقلية وإيطاليا، وتعوده الأهالي وصاروا يألفون ما يقع كل يوم من حوادث السلب والقتل التي قص المؤرخون خبر كثير منها كما لو كان ذلك من الوقائع اليومية التي لا أهمية لها، ومن ذلك أن فرسان النورمان كانوا يفاجئون الأديار السيئة التحصين ويسلبون كل ما فيها ويبقرون بطون رهبانها على بكرة أبيهم خشية الفضيحة، وأن الرهبان من ناحيتهم كانوا يتغفلون بعض أولئك الفرسان بين حين وآخر فينتقمون منهم أشد الانتقام"[3] .. واستمر لوبون يسرد بعض القصص.

ولم تتوقف هذه السياسة المتبعة في النهب والسلب إلا لما تم استيلاء النورمان على صقلية بالكامل، فبدأ فيها على يد روجر عهد جديد فيه كثير من التعايش، وتنظيم الدولة باسترشاد واستلهام مباشر لنظم وطرق الحكم الإسلامية في الجزيرة وبالاستعانة بعلماء المسلمين الموجودين بصقلية.

وعلى رغم ما أعطاه المسلمون من الحضارة للعهد النورماني إلا أن إبادتهم التامة وجلاءهم الكامل كان في عهد فريدريك الثاني، صديق الملك الكامل الأيوبي، وأبرز ملوك أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي.. ولكن فريدريك هذا له حديث آخر إن شاء الله تعالى.



[2] جوستاف لوبون: حضارة العرب ص304، 305

[3] السابق ص305