الجمعة، يونيو 29، 2012

سيناريو انتزاع السلطة

كحال كثيرين أزعجني أن السيد الرئيس محمد #مرسي سيقسم أمام المحكمة الدستورية العليا.. سرحت بخيالي لأتخيل ماذا كان على السيد الرئيس أن يفعل.

وقبل أن أتطرق إلى ما يفعل أقول ملاحظتين:

1. إن من مزايا سيادة الشريعة الإسلامية أن تنتزع من الحاكم الطاغية سلطة التشريع، لأن الطغاة يضعون رغباتهم في قوانين ملزمة.. لذا يكون مقاومة قانون الطاغية فرضا في الفكر الإسلامي على عكس الحال في القانون الوضعي حيث يكون الفرض هو الالتزام به، وتكون محاولات تغييره داخل مسارات قانونية يضعها الطاغية أيضا فلا توصل إلى شيء.

2. التخريف هو افتراض أن المشكلة قانونية، مطلقا، المشكلة ببساطة أن العسكر عبروا عن رغبتهم قهرا في كلام سموه "إعلان دستوري مكمل" رسموا به المسارات التي تجعلهم يملكون خيوط كل شيء، إما بأنفسهم مباشرة وإما عبر صنائعهم في المحكمة الدستورية العليا.

نعود إلى الخيال:

1. الرئيس مرسي يعلن رفضه للقسم أمام أي جهة إلا الشعب المصري أو ممثليه في البرلمان.

2. العسكر وإعلامهم يعتبرون هذا تعديا على الإعلان الدستوري المكمل ويلوحون بإعلان فراغ المنصب الرئاسي.

3. الرئيس مرسي ينزل إلى الميدان ويخاطب الجموع، يقسم أمامها أنه لن يتنازل عن حقهم ولن يفرط في قيد أنملة من حقوقه وصلاحياته ويستغيث بالشعب أن يقف وراءه مدافعا عن حقه.

4. الجماهير تتوافد إلى الميادين.. والإعلام يصعد من نبرته ضد مرسي.. والعمل المخابراتي يبدأ في تشويه الرئيس والميدان.

5. الرئيس مرسي يبدأ يوم 30 يونيو في ممارسة سلطاته وتوجيه أوامره إلى جهات الدولة.. والجهات المخولة بالتنفيذ تدخل في اضطراب بالغ هل تنفذ أم لا؟

6. المجلس العسكري يدخل في مرحلة العداء ويعلن أن كل ما يفعله مرسي غير شرعي ولا يلزم جهات الدولة في شيء.

7. الغضب الجماهيري يزداد.. اضطراب جهات الدولة يزداد بين تنفيذ توصيات الرئيس.. الرئيس يطلب من الشعب والمؤسسات الحكومية التوقف عن العمل بأمر من الرئيس الشرعي للبلاد.

8. الأزمة تدخل منحنى جديدا، والخارج يدخل على الخط في محاولة لاحتواء أحد الطرفين.

9. الرئيس يعلن عزل المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، ويعلن فراغ منصب وزير الدفاع ورئيس الأركان.. وإعلان: من لم يكن مع الرئيس الشرعي فهو مع الانقلاب العسكري.

10. القرار يسبب حالة من الاضطراب العام داخل صفوف الجيش، ليجد الرئيس مرسي كثيرون قد انحازوا إليه.. فيعين أحدهم وزيرا للدفاع وآخر رئيسا للأركان.

11. هذه هي اللحظة التي لن يستطيع فيها أحد أخذ قرار الاشتباك مع الجماهير أو التعرض لها بالسلاح.

إذا وصلنا إلى هذه النقطة.. فمبروك.. كل ما هو بعدها تنازل من جانب العسكر وقوة مضافة للرئيس وللشعب.. وبداية النهاية للدولة العسكرية.. وكل تدخلات الخارج لن تستطيع أن تصب إلا في صالح الرئيس وتضغط على العسكر.

وفي التفاصيل إبداعات كثيرة يفيض بها الله على من صدق الجهاد وأخلص النية.

شبيه من هذا السيناريو تم تنفيذه في روسيا.. وهذا ما يحكيه بقلمه الرائق الأخ الكريم عمرو عبد العزيز


حتى لا نعيش في الوهم

1. أنجح الثورات هي التي قضت على النظام القديم تماما، وكلما كانت أسرع في إنجاز هذه المهمة كلما كان نجاحها أقوى.

2. الثورات الفاشلة هي التي فشلت في القضاء على "النواة الصلبة" للنظام القديم، أو اتخذت مسارات طويلة متدرجة فانتهت قبل أن تلتقط أنفاسها.

3. من يقرأ تاريخ الثورات يعرف أن الثورة لم يهدأ لها بال طالما ظل "مركز قوة وحيد" خارج السيطرة.. والأمثلة طويلة لا يحتملها المقام.

4. المعركة الفعلية تدور حول "الجيش، الشرطة، المخابرات" بما يتفرع عنها من أجهزة أمنية.. ثم الخارج. أي انشغال بمعارك في ساحات أخرى هو معالجة العرض لا المرض.. وآخرها الفشل.

5. المعارك الإعلامية والقانونية والفتن الطائفية والأزمات الاقتصادية كلها تؤول في النهاية إلى هذه الأجهزة، فهي مصنوعة داخلها وتنفذ عبر عملائها.

6. لمرة أخرى: النهج الإصلاحي في لحظات الثورة قتل لها، ولعل الشهور الماضية خير دليل.

7. طبيعة الشعوب أنها تحب الزعيم القوي وتحميه بأكثر مما تتحمس لحماية الزعيم الضعيف الطيب.. فيجب أن نرى من السيد الرئيس محمد مرسي قوة وزعامة الآن قبل الغد، وغدا قبل بعد غد!

الأربعاء، يونيو 27، 2012

معارك الأمويين الأخيرة (1/2)

في المقالين السابقين[1] رأينا كيف تضعضعت الدولة الأموية، لقد أنهكتها انقسامات البيت الأموي والثورات المتكاثرة في الغرب والشرق والجنوب، وما إن بدا أن الأمويين استطاعوا القضاء على ثورات الخوارج الخطيرة في العراق حتى ظهرت في خراسان[2] الثورة العباسية التي لم يكن لأحد أن يتوقع أنها الثورة القاضية والضربة الأخيرة للدولة الأموية.

ورغم أن الدولة الأموية رمت بأبطالها الكبار لمواجهة هذه العاصفة القادمة من الشرق والتي يقودها قحطبة بن شبيب الطائي، إلا أن النصر كان من نصيب العباسيين دائما على قلة عددهم وعتادهم.

ورغم أنها استطاعت اعتقال الإمام إبراهيم قائد الدعوة العباسية من الشام إلا أن الوقت كان قد فات، وكان اعتقاله ثم قتله غير مؤثر في مجرى الأحداث التي تصب في صالح العباسيين.

ورغم أن الخليفة الأموي مروان بن محمد وواليه على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة كلاهما من رجال الحرب الأكفاء إلا أن الارتباك واضطراب العلاقة بينهما مع توالي الهزائم كان مانعا من مواجهة محترفة سليمة للتقدم العباسي، كذلك فإن استهانة القادة الأمويين العسكريين الكبار بشأن العباسيين جعل الهزائم تنزل بهم أسرع مما يتوقع!

وسنتوقف في هذا المقال عند معركة دالة في المسيرة العباسية والأموية، ثم سنستعرض المعركة الأخيرة في المقال القادم بإذن الله تعالى.

***

سقوط جلولاء

جهز يزيد بن هبيرة جيشه من أهل الشام، ونزل به في مدينة جلولاء، وبنى خندقا حولها وخزن الأسلحة والأطعمة استعدادا لحرب طويلة، وكان قراره هذا بناء على ما وصلت إليه جيوشه من الحالة المعنوية المتدهورة، فكان تقديره أنه إذا تحصن داخل المدينة بحيث تطول الحرب، فإن هذا سيكسر هيبة الهاشميين في نفوس جنوده، كما سيكسر اندفاعة جيشهم فيؤثر في معنوياتهم. إلا أن قراره هذا واجه بعض الاعتراضات من أهمها ما قاله واحد من قواده وهو الحوثرة بن سهيل: إنما يُخَنْدِق الرجل إذا كان ما وراءه وما حواليه في يده، وأنت قد فسد عليك من على يمينك وشمالك وتحت قدمك، وقد طمع فيك عدوك، والرأي لك المناجزة، فإما لك وإما عليك، وهو ما اتفق معه غالب من كان في جيش ابن هبيرة، إلا أنه أصر على قراره هذا.

وكان رأي الحوثرة نفيسا بالفعل، وكان عدم الأخذ به من أسباب مزيد من التدهور في العراق، وذلك لأن أهل العراق لم يكونوا سندا ولا ظهرا للأمويين، وهو ما سيستفيد منه العباسيون.

لم يكن قحطبة على دراية كاملة بالوضع في العراق، فاتخذ قراره بالتوجه إلى حرب ابن هبيرة في جلولاء، لكن رسالة وصلت من أبي سلمة الخلال (كبير دعاة العباسيين والمقيم سرا في الكوفة)، جعلته يعدل عن هذا القرار. أرسل إليه أبو سلمة بألا يحاول لقاء ابن هبيرة، بل أن يتجنبه ويتوجه مباشرة إلى الكوفة، لأن أهل الكوفة مستعدون للانضمام إلى هذه الدعوة، وعليه فينبغي أن يسرع ما استطاع في كسب الأراضي، وبالتالي كسب الأقوام وازدياد أعداد الجيوش العباسية. وكان أيضا خبر اعتقال الإمام إبراهيم.

وهنا تغيرت خطة قحطبة من حصار جلولاء –حيث جيش ابن هبيرة- إلى الاندفاع نحو العراق، ولكنه أشاع أنه سيسير إلى جلولاء زيادة في خداع ابن هبيرة، وبالفعل لم يشعر ابن هبيرة بالخديعة إلا حين أتته الأخبار بتحرك جيش قحطبة نحو المدائن، فانسحب انسحابا سريعا نحو "الدسكرة" تاركا خلفه في جلولاء كثيرا من الغنائم والذخائر، وما إن علم قحطبة بهذا الانسحاب حتى رجع إلى جلولاء فدخلها وأخذ ما بقي فيها من غنائم وذخائر وأحرق ما لم يستطع أن يأخذه معه، وحاول أن ينفذ عملية مطاردة لفلول جيش ابن هبيرة المنسحب إلا أن الجيش المنسحب كان قد ابتعد بالفعل.

وبهذا تكون الخطة الفاشلة لابن هبيرة قد أنفقت الوقت والجهد والأموال في عملية فاشلة تماما، كان سيدها سوء التقدير وعدم الاستماع للنصيحة.. كما أن جهد أبي سلمة الخلال ورسائله التي تصل في الوقت المناسب كانت ذات الفضل الأكبر في تغير خطة قحطبة التي انتهت إلى دخول جلولاء بأيسر مما كان أحد يتوقع، بل وأن يغنم ما خلفه جيش الأمويين أثناء انسحابه المتعجل.

ثم أشاع قحطبة أنه متوجه إلى المدائن، وعلى هذا استعد ابن هبيرة، حتى جاءته الأخبار بوجهة قحطبة الحقيقية وهي الكوفة، حتى التقى الجيشان أخيرا –بعد مراوغات ومعارك محدودة لسرايا جيش قحطبة- في منطقة غرب الفرات (5 المحرم 132 هـ).

الكوفة تلبس السواد

للأسف الشديد لم تُكْتَب مصادرٌ تكشف دور أبي سلمة الخلال المحوري والمركزي والشديد الأهمية في صناعة الثورة ثم الدولة العباسية، أو لعلها كُتِبَت ولم تصل إلينا ضمن ما ضاع من تراثنا المفقود، إلا أن أبا سلمة لا يظهر كثيرا في المصادر التي بين أيدينا، وحتى ظهوره القليل هذا كان دائما ظهورا فارقا وحاسما ومتسببا في تأثيرات قوية في لحظات شديدة الحرج.

بدا هذا في إدارته لأمر المعارك بالتواصل مع قحطبة قائد الجيش الآتي من خراسان، وهي الإدارة التي نجحت ببراعة في كسب الأرض والمعارك والمدن والأنصار دون خسائر تذكر، غير أن ثمة معركة أخرى لا يكاد يُلتَفَت إليها كان يديرها أبو سلمة داخل الكوفة مع العشائر والزعماء وأنصار آل البيت، وإليك واحدة من أهم هذه التحركات:

لما عبر قحطبة نهر الفرات، وصار في أرض العراق، أرسل أبو سلمة الخلال إلى زعيم اليمانية في الكوفة محمد بن خالد القسري رسولا يقول له: قد كنت تتمنى هذا اليوم، فقد بلغته، فأظهر السواد، واخرج في مواليك وعشيرتك وصنائع أبيك[3]، فبعث إلى مواليه وقومه وجيرته وصنائع أبيه، فاجتمع إليه منهم نحو من ألف رجل، فأخبرهم برأيه وما أجمع عليه، وأمرهم ألا يبيتوا حتى يكونوا قد لبسوا السواد. ثم بعث أبو سلمة بمثل ذلك إلى زعيم آخر هو طلحة بن إسحاق بن محمد بن الأشعث الكندي فتأهب، ثم سَرَّب أبو سلمة إلى جماعة طلحة بن إسحاق أنصار العباسيين في الكوفة، ومن يتبعون رأي أبي سلمة من أهله وجيرانه، فساهم هؤلاء في دفع طلحة بن إسحاق وقومه إلى الخروج على نحو ما فعل محمد بن خالد القسري، وبهذا انقلب حال الكوفة إلى ولاء العباسيين في ذلك الوقت الحرج حتى إن صاحب الشرطة (وزير الداخلية) الأموي لم يجد إلا الهروب واللحاق بابن هبيرة في معسكره، ودخل محمد بن خالد القسري قصر الكوفة الذي صار خاليا، وتبعه في هذا طلحة بن إسحاق.

وصعد محمد بن خالد القسري منبر الجامع وخطب قائلا: "يا أهل الكوفة إن الله قد أكرمكم بهذه الدعوة المباركة، وقد طلبها الأبناء بعد الآباء، فَحُرِموها حتى ساقها الله إليكم، هذه جنود الحق قد أظلتكم، داخلة عليكم أحد اليومين، فقوموا فبايعوا"، فاستبق الناس إلى البيعة حتى كادوا يكسرون المنبر من التزاحم، وما تخلف عن البيعة إلا أناس قليل. وأشار أبو سلمة عليه بحيازة ما في بيت المال والخزائن فكان ما أشار به.

ثم أرسل أبو سلمة بكل ما فعل إلى قحطبة، وأمره أن يقرأ رسالته على الجنود، ولا شك في أن أثرها على قحطبة وعليهم لا يكاد يوصف.

إن أبا سلمة الخلال يستحق أن تفرد له دراسة تحلل هذه الموهبة في التخطيط والتنفيذ والإدارة.

وانتبه ابن هبيرة متأخرا لخطورة خلو الكوفة من الجند، لا سيما بعد أن صار قحطبة في غرب الفرات، فأرسل إليها الحوثرة بن سهيل كإجراء استباقي خوفا من أن يسبق إليها جيش قحطبة، إلا أن الحوثرة عندما وصل وجد الكوفة قد خرجت من سلطان ابن هبيرة وتولى أمرها محمد بن خالد القسري، فلم يستطع أن يدخلها.

وفوق ذلك ساهم خروج الحوثرة في ضعف الجيش الأموي الذي صار الآن في مواجهة جيش قحطبة عند الفرات، فكأنما كانت سيرة الأمويين وولاتهم في هذه الفترة سلسلة من الأخطاء القاسية!!

قائد مقتول وجيش منصور!

تواجه الجيشان بالقرب من "الفلوجة"، ولم يجر بينهما قتال كثير، كان قحطبة مشغولا بأن يجد مخاضة يمكن عبور الجيش منها إلى الضفة الأخرى حتى وجدها بإرشاد أعرابي خبير من أهل المكان، فاختبرها فوجدها كما قال الأعرابي صالحة لعبور الجيش، وفي هذه الأثناء كان جيش ابن هبيرة على الضفة الأخرى مفتقدا للتماسك إذ كثرت المسافات بين وحداته، فقيادته على المقدمة قد ابتعدت عن الساقة، فانتهز قحطبة هذا العيب ودفع بسرايا من جيشه عبرت المخاضة وقاتلت الجيش من خلفه واستطاعت إلحاق الهزيمة بمجموعة منه، وما إن انتهى هذا حتى كانت مؤخرة جيش الأمويين بقيادة محمد بن نباتة قد لحقت بموضع القتال فنشب قتالٌ جديد كانت اليد العليا فيه لمحمد بن نباتة الذي حاصر المجموعة العباسية حتى برغم ما أتاها من إمدادات أخرى. وفي هذه الأثناء كان رسول أبي سلمة الخلال قد وصل إلى أرض المعركة وبَشَّر الجيش بأن الكوفة قد دخلت في ولاء العباسيين فكان خبرا عظيما، ارتج له الجيش العباسي بالتكبير، فَكّبَّرت السرايا التي عبرت إلى الضفة الأخرى مما أوقع في نفوس الشاميين أكثر وأكثر وقالوا: قد أتاهم شيء سُرُّوا به، فمن هنا ظهرت الهزيمة في جيش الشام، ولم يأت الليل حتى كان قحطبة يعبر المخاضة بجيشه كله، ويحمل وراء كل فارس واحدا من الرَّجَّالة، ولم تكن معركة كبيرة ولكنه كان نصرا مؤثرا.

إلا أن المعركة أسفرت عن خبر مؤسف للعباسيين، إذ فقدوا قائدهم الكبير الذي قادهم من نصر إلى نصر، فخرج بهم من خراسان حتى دخل العراق وما بقيت له إلا خطوة إلى عاصمة العراق وعاصمة العباسيين "الكوفة"، وكان من المُرَجَّح أنه قد غرق (8 المحرم 132 هــ) فكان خبرا قاسيا نزل بالجيش العباسي، إلا أنهم تداركوا الأمر ولم يتركوا فرصة لدخول الضعف إليهم فاجتمعوا على تولية ابنه حميد على الجيش.

وهكذا انتصر الجيش رغم أن قائده قد قُتِل!!

وعلى الجانب الآخر، حاول ابن هبيرة أن يعيد تجمع الجيش فنصب خيمته وأوقد نارا على بعد فرسخ من المعركة حتى ينحاز إليها المنسحبون من الجيش، إلا أن المعنويات المنهارة حملت أكثر الناس على تركه، حتى اضطر أن يوقف مناديا يُنادي أنها خيمة الأمير ابن هبيرة، إلا أن هذا لم يصنع شيئا ذا فائدة، ولما قَدِم عليه القائد محمد بن نباتة –وهو قائد المؤخرة- كان الموقف واضحا بأن الأمر لم يعد يحتمل العسكرة في هذا المكان، وأشار عليه أن ينطلق إلى الكوفة، وهذا على أساس ظنهم بأن الكوفة ما زالت في سلطة الأمويين ويحكمها الحوثرة بن سهيل –الذي أرجعه ابن هبيرة إليها خشية انفلات جيش قحطبة- إلا أن أحد المستشارين واسمه طارق بن قدامة القشيري عارض الرأي على أساس أن خبر هزيمة الجيش يوشك أن يصل إلى الكوفة مما سيجعل الأمر صعبا، فمن ثم اتفقوا على الاعتصام بمدينة واسط.

ومدينة واسط هي إلى الغرب من الكوفة، والاعتصام بها يعني الخروج من المعركة وانتهاء دور هذا الجيش من هذه المهمة في مواجهة العباسيين.

كان يمكن لابن هبيرة أن ينسحب بالجيش وينضم للجيش الرئيسي الذي يقوده مروان بن محمد، وقد قال له يحيى بن حضين أنه لا شيء تفعله لمروان أحب إليه وأثمن عنده من أن تنضاف إليه هذه الجنود ولكن العلاقة المتوترة بين ابن هبيرة ومروان بن محمد جعلت ابن هبيرة يخشى من مروان ويفضل الانسحاب إلى واسط رغم أنها لا تعد مكانا جيدا عسكريا بل هي بؤرة حصار، ولكن لعله كان يأمل في الصمود حتى ينتصر جيش مروان على جيش قحطبة.

ثم وصلتهم الأنباء بعدئذ بخروج الكوفة من سلطة الأمويين فما كان من هذه الأخبار إلا أن ساهمت في تفرق الجيش الشامي عن ابن هبيرة، فمنهم من انحاز إلى العباسيين ومنهم من ترك الجيش الشامي إلى وجهة أخرى ومنهم من اتجه إلى الشام، ثم أرسل ابن هبيرة إلى مروان بن محمد رسالة بما قد كان من الهزائم وانسحاب الناس عنه وسيطرة العباسيين على الكوفة، ويبرر فيها مقامه بمدينة واسط بأنه بهذا يمثل خطا متقدما للجيش الأموي في الغرب حين يأتي الجيش الأموي من الشام ويستخلص الكوفة من الهاشميين، وهي الرسالة التي أثارت غضب مروان بن محمد لا سيما من أن الجيش المنصور قد قُتِل قائده بينما نجا قائد الجيش المنهزم.

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث



[2] خراسان الآن تشمل الإقليم الشمالي الشرقي في إيران والجنوبي الشرقي في أفغانستان وجنوب تركمانستان.

[3] وأبوه هو الزعيم الكبير خالد القسري، الوالي على الكوفة أيام هشام بن عبد الملك.

الثلاثاء، يونيو 26، 2012

الحرب الإلكترونية.. الاحتلال الرائع

منذ زمن طويل لم يعد مفهوم الحروب مقتصرا على استعمال السلاح في وجه الأعداء، بل ظهر مصطلح "الغزو الفكري" ليعبر عن أساليب التسلل إلى العقول والقلوب عبر الكتب والصحافة والأدب والفنون، ثم ظهر مصطلح "الاستعمار الاقتصادي" ليعبر عن أساليب السيطرة على مقدرات الأمم من خلال المؤسسات الاقتصادية الكبرى والشركات عابرة القارات والتي تعمل على تشكيل اقتصاديات الأمم على نحو ما تريد لتظل متحكمة بمفاصلها ونقاطها المحورية فتصبح الحركة الاقتصادية للأمم مثل تحريك العرائس.. ثم ها نحن في أجواء الحرب الإلكترونية التي ظهرت مع ظهور الانترنت الذي صنع عالما آخري موازيا للعالم الطبيعي، حتى لقد كان الوسيلة الأهم في ثورات الربيع العربي!

ويتبادر إلى الذهن عند الحديث عن حروب الانترنت موضوعات القرصنة وسرقة الحسابات البنكية وتخريب المواقع وقواعد البيانات، وسرقة المعلومات المهمة، ونشر الفيروسات .. إلى آخر هذه الجرائم التي يحفل بها عالم الانترنت، على أننا آثرنا في هذه السطور القادمة أن نتحدث عن جانب آخر من الحروب الإلكترونية، وهو الحرب التي تجري في العلن وأطرافها هم نجوم هذا العالم وعمالقته، كما أن الضحايا فيه مستمتعون بأنهم تحت الهيمنة والاحتلال، والمنتبه فيهم مغلوب على أمره مضطر، لا يجد بديلا.. فهو كما قال تميم البرغوثي:

ويحملني كالنسر يحمل صيده .. ويعلو به فوق السحاب يطاوله

فإن فرَّ من مِخْلابه طاح هالكا .. وإن ظل في مِخلابه فهو آكله

(1)

العدو اللذيذ.. جوجل وأخواتها!

بعد أقل من أربع سنوات (2006 – 2010م) من عمل شركة "جوجل" في الصين، استطاعت أن تمثل مشكلة للحكومة الصينية جعلت التصريحات النارية تخرج على السطح بين الصين وأمريكا (يناير 2012م)، وهي المشكلة التي هددت "جوجل" بأنها قد تنسحب من الصين على إثرها، وهو التهديد الذي يعني كثيرا، لا سيما وقد بلغت جوجل في هذه الأعوام البسيطة أن اجتذبت ثلث عمليات البحث على الانترنت في الصين، وصار يرتادها نحو أربعمائة مليون صيني[1].

وحين يتم مثل هذا في دولة كالصين فينبغي على الدول العربية والإسلامية أن تضع يدها على قلبها، فالصين التي تضايقها جوجل هي العملاق الاقتصادي الثاني على مستوى العالم، وهي تفرض قيودا على حركة الانترنت، وتوفر لمواطنيها مواقع صينية بديلة عن المواقع العالمية مثل محرك البحث "بايدو" الذي تهددت مكانته بعد دخول جوجل!

وفيما استغرق جوجل نحو أربع سنوات حتى اشتبك مع الحكومة الصينية لم يستغرق الفيس بوك أكثر من أسبوعين حتى بدأت مشكلاته (يوليو 2008م)، رغم أنه منفصل في الصين عن الشبكة العالمية للفيس بوك! وما تزال السلطات الصينية تحجب كليا أو جزئيا أو أحيانا مواقع يوتيوب وتويتر وأمثالها من مواقع التواصل الاجتماعي!

وبالتأكيد لم يكن موضوع النزاع بين أمريكا والصين حول جوجل هو مجرد اهتمام أمريكا بحرية الانترنت، فالأمر أعمق من ذلك بكثير.. ذلك أن "جوجل" هو ببساطة أحد أهم الأذرع الأمريكية في اختراق منظومات المعلومات حول العالم!

وإذا كان غير المكتوب دائما أهم من المكتوب، وكانت الأسرار أهم من المُعْلَن، فنحن أمام جوجل سنجد أنه حتى المكتوب والمعلن يمثل خطرا كبيرا واختراقا كاملا لمستخدميه، وهو الاختراق الذي يتم بسلاسة ونعومة وانسيابية تجعل منه "العدو الرائع"..

خذ مثلا اتفاقية استعمال جوجل التي يتوجب عليك الموافقة عليها قبل استعمال الخدمات التي تقدمها الشركة العملاقة، وبعبارة أخرى: فإن استعمالك لخدمات جوجل يعني أنك قد اطلعت على بنود الاتفاقية ووافقت عليها بالفعل (نص البند 2-2 من اتفاقية شروط الخدمة). هذه الاتفاقية صدرت أولا في لهجة قاسية صارمة في (16 إبريل 2007م) وما زالت تتعدل ويضاف إليها ويحذف منها حتى صدر التعديل الأخير (1 مارس 2012م) يحمل نفس المعنى ولكن بصياغات لطيفة رقيقة تغطي على ذات المعنى الذي يجعل منها اتفاقية إذعان[2]!

حين تتعامل مع جوجل فأنت تقر وتوافق على أن كل خدمة قد تفرض عليك قيودا بخلاف ما فرضته الخدمات العامة لجوجل (بند: 1-2)، وأن الخدمات قد تتغير أو تتوقف جزئيا أو كليا -مؤقتا أو دائما- بدون أن يتم التنبيه عليك (بند: 4 – 2،3) وأن جوجل إن أوقفت حسابك فليس من حقك الحصول على أي ملفات أو محتويات فيه (بند 4-4) وأن جوجل قد تحدد بعض المتغيرات في أي وقت تراه مناسبا (بند 4-5)، وأنك ملتزم بأن المعلومات الشخصية التي تقدمها لجوجل تكون صحيحة ودقيقة ومحدثة (بند: 5-1)، وأن جوجل لها الحق في فحص محتويات الملفات الخاصة بك واختصارها وتعديلها ورفضها وإزالتها إن رأت هذا (بند: 8-3)، وأن جوجل لا تتحمل أي خسارة تقع بك نتيجة استعمال خدماتها حتى لو كانت الخدمة هي المتسببة في هذا (بنود 14، 15)، وفيما لا يمكنك مقاضاة جوجل إلا في محاكم مقاطعة سانتا كلارا بكاليفورنيا وفي ظل قوانينها فإن جوجل لديها الحق في مقاضاتك في أي محكمة مختصة أخرى (بند 20-7).

ولا يفوت المرء أن يشيد بجمال المناورات في الصياغات الحديثة لهذه الاتفاقية بكافة ملحقاتها، مما يجعل الاقتباس منها عسيرا، ولولا وجود الاتفاقيات السابقة في أرشيف جوجل لكان توضيح هذه الأمور عسيرا!

إن جوجل تجعل من تجسسها عليك عملا رائعا إنما تقدمه لمجرد أنها تحب أن توفر لك المتعة..

إذا كنت تستعمل المتصفح "جوجل كروم" فعليك أن تعلم أن كل النشاطات التي تجريها من عليه مخزنة في مكان ما على نظام جوجل، لا تقلق –هكذا يقول جوجل- "إنها خدمة رائعة" لأنك في أي مكان في العالم وعبر أي جهاز كمبيوتر يمكنك أن تُدخل الاسم وكلمة السر لحسابك على جوجل لتجد أن متصفحك وسائر المعلومات المخزنة على جهازك قد انتقل إلى هذا الجهاز الذي تعمل عليه!

المؤسف في كل هذا أن الخدمات المقدمة سهلة ومجانية ومهمة، فجوجل على سبيل المثال يوفر هذه الخدمات: أفضل بحث على الانترنت في النصوص والصور والفيديو، الترجمة، بريد إلكتروني، خدمة إنشاء وتخزين الوثائق، تنظيم الأعمال، إدارة الشركات، شبكة تواصل اجتماعي (جوجل بلس)، القوائم البريدية، الإجابات، بالإضافة إلى مواقع جوجل البحثية في: الكتب، الصحافة، الخرائط، الأبحاث العلمية، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه أحد!!

المؤسف أكثر أن الإبداع في تقديمها يجعلها بمثابة خدمات تجسسية "ممتعة"!!

ثم تزيد هذه "المتعة" في الشبكات الاجتماعية مثل الفيس بوك وتويتر وغيرها من الشبكات التي تدخل فيها بنفسك ما تشاء من المعلومات والصور والأفلام عن نفسك وأسرتك ودراستك ومدينتك وعملك وسائر حياتك، وتتفاعل مع الأصدقاء والأقارب والزملاء والجيران حول العالم، وتعطي المواعيد وتكتب جدول أعمالك اليومية ويستطيع المتابعون لك معرفة أين تكون ونوع الجهاز الذي تكتب منه سواء كان جوالا أو حاسبا محمولا أو لوحة حاسوبية أو غير ذلك!

إن كل هذا يجعل الملفات متاحة ومفتوحة أمام الجميع بما فيها أجهزة الأمن والاستخبارات حول دول العالم، ومثل هذه الشبكات الاجتماعية هي التي أيقظت السلطات الإسرائيلية ذات يوم مفزوعة بعد أن اكتشفت تسرب صور قواعدها الجوية وغرف العمليات والمناورات من خلال الصفحات الشخصية للجنود الذين لم يظنوا أن نشر صورهم في الخدمة على صفحاتهم يمكن أن يسبب خطرا أمنيا، وعليه فقد أحالت السلطات 100 من مجنديها إلى التحقيق وفرضت حظرا جزئيا على موقع الفيس بوك[3].

ولأن البنية الصلبة والأسرار العميقة لهذه التقنيات الجديدة إنما هي حصريا لدول المنشأ فإن الدول الأخرى لا تجد إلا أن تمارس الحظر بنفسها على هذه المواقع جزئيا أو كليا، أو تتقدم إلى المواقع ذاتها بطلبات الحظر على صفحات بعينها ترى أنها تمثل تهديدا لها، وفي الدول الاستبدادية يكون هذا الحظر منصرفا إلى المطالبين بالحريات وحقوق الإنسان والمقاومين للظلم والاستبداد والفساد، مما يجعل عالمنا العربي والإسلامي مبتلىً مرتين: مرة بافتقاده التقنية، ومرة بأن السلطات في بلاده إن سمحت بها استخدمتها في التجسس عليه وقمع إرادته!

(2)

لا ريب في أن العالم العربي والإسلامي لم يزل متأخرا في استعمال الانترنت، لكن الطليعة الشبابية التي استعملته إنما قامت بجهد كبير وأفضل من المتوقع في الاستفادة من هذا العالم الجديد في سائر المجالات، ولعل ثورات الربيع العربي تكون الحدث الأبرز الذي أثبت قدرة الشباب على استعمال هذه الوسائل بأفضل طريقة في التعامل مع واقعهم!

لكن المجهودات الفردية مهما كانت مخلصة، ومهما بذل أصحابها من طاقتهم، لا تكفي مطلقا للدفاع عن الأمة في هذه الحرب الإلكترونية الطاحنة، إن آخر ما يُتوقع منهم أن يكونوا كالذي وقف بجسده النحيل شاهرا سيفه أمام الدبابة التي تقتحم الدار، يستطيع أن يضايقها ويؤخرها قليلا ثم أن يضع نفسه تحتها ليعطل تقدمها، لكنها في النهاية تدهسه ثم تقتحم الدار!

لا بد من أن تتصدى الدولة بكافة إمكاناتها لمثل هذه الحرب، وهي وحدها القادرة على أن تنظم حركة الشباب الفردية في كيان كبير ينتج بدائل خاصة أو يتعامل مع التقنية المطروحة بما يستخلص منها فوائدها ويتجنب اختراقاتها الخطيرة لمنظومة الأمن الداخلي للدولة العربية!

والحق أن عالمنا العربي والإسلامي لن يمكنه تحقيق نتائج ذات بال في هذا المضمار إلا إذا تخلص من عقدة الاستبداد التي تعيقه عن النهوض في كل المجالات وتجعل كافة إمكانياته رهينة بالرؤية الفردية والتوجهات الخاصة للفرد أو المجموعة الحاكمة، إذ ما لم تكن ثمة خطة موضوعة عبر المؤسسات المحترفة الوطنية لا تتغير بتغير الأهواء والنزعات الفردية لا يمكن لشيء كبير أن يكتمل أصلا!

ستأتي لحظة ما وتكشر كل تلك الأذرع الإلكترونية عن أنيابها، ونفاجأ بأنفسنا وقد سُلب منا كل شيء لأن كل شيء صار تحت سيطرتهم فعليا، حينها لن يتمكن أحد من تحريك دولار فضلا عن تحريك طائرة دون أن يُسمح له بهذا.. فالواجب الأول واقع على عاتق الدولة ومسؤوليها!

وأما الواجب الثاني فهو واقع على عاتق العلماء والفقهاء، ومن المؤسف غاية الأسف أن الانترنت تطور هذا التطور الهائل في زمن قليل ووصل إلى كل مكان لكنه لم يصل بعد إلى أروقة المعاهد العلمية الدينية والمؤسسات الفقهية التي ما زالت تعاني فتاواها حول الاستعمال وحده ضعفا واضطرابا وارتباكا ظاهرا، فكيف والحال قد تعدى الاستعمال إلى التفاعل والتواصل، ليس على المستوى الأخلاقي والفكري وحده، بل على مستوى المقاومة والجهاد كذلك..

إن تأخر العلماء عن ركب العلم لا يوقف العلم ولا طلابه ولا يؤخرهم، بل يجعلهم يطلبون العلم من غيرهم ممن كان أسرع وأسبق، بل العلماء لا معنى لهم إن لم يكن لديهم علم الواقع الذي ينزلون عليه علم الشرائع..

***

وبعد..

فهل نتمنى أن يكون المصطلح القادم في الحروب والغزو والاستعمار من نصيب المسلمين بعد أن كانوا هم المقهورين بالغزو الفكري والاستعمار الاقتصادي والحرب الإلكترونية؟!! أم سنكون ضحية الحرب الجديدة كذلك؟!

نشر في مجلة الوعي الإسلامي – عدد (564) – شعبان 1433 هـ = يوليو، يونيو 2012 م



[1] راجع: موقع بي بي سي العربية "جوجل: مازلنا نفرض رقابة على موقعنا في الصين" (13/1/2010م) و "الولايات المتحدة تطالب الصين بالتحقيق في قضية جوجل" (21/1/2010م)، وتقرير وكالة أنباء الشرق الأوسط عن الأزمة (17/1/2010م).

[2] اتفاقية شروط الخدمة الصادرة في إبريل 2007: http://www.google.com/intl/ar/policies/terms/archive/20070416/

اتفاقية شروط الخدمة الصادرة في مارس 2012:

http://www.google.com/intl/ar/policies/terms/

[3] تقرير شبكة محيط " شبكة فيس بوك تنفي تعرضها للحجب في الصين" بتاريخ 3/7/2008.

الخميس، يونيو 21، 2012

كلمة السر: الصمود

"الصمود" هو كلمة السر في المشهد المصري الحالي، وهذا طبقا للمعطيات الآتية:

1. أي جيش نظامي يواجه حركة شعبية يتعرض لانشقاقات.

2. الجيش المصري ليس مرتزقة وليس طائفيا وليست له عقيدة قتالية ضد الشعب المصري.. بما سيجعل هذه الانشقاقات أسرع وأكثر فاعلية.

3. السخط المنتشر بين قطاعات عريضة من الجيش المصري في ظل الفساد المنتشر فيه، واحتكار القيادات لكل شيء.. يجعل الولاء مجروحا تماما لهذه القيادات.

4. الجغرافيا المصرية السهلة تجعل أفراد الجيش المصري -مهما وضعت الخطط لغسل عقولهم وزراعة أفكار بعينها- جزءا حقيقيا من الشعب المصري.. لا يمكن عزله فكريا عن الحالة الشعبية الثائرة.

5. الجيش المصري يعرف أنه في وضع غير مستقر والصورة ليست واضحة لأفراده وقياداته فليس ثمة احتمال كبير أن تتكرر مذبحة الأمن المركزي التي ارتكبها الجيش سابقا لسببين:

- الحركة حركة شعبية وليست حركة تمرد من فئة مسلحة.

- الحكم غير مستقر ولا شرعي -كما كان حال مبارك- بحيث تحظى قراراته بالاحترام والتنفيذ الفوري

وبناء عليه (مساك الله بالخير يا كتاتني :))

فإن الاختبار الحقيقي للثورة هو أن تصمد في المواجهات الدموية لثلاثة أيام على الأقل، لتبدأ بعدها موجة الانشقاقات وانقلاب المواقف وتغير الأوزان تماما!

العسكر أمام طريقين:

1. إعلان شفيق رئيسا وتجريب الاختبار الدموي، وهذا هو الأقرب في تصوري لعقلية ونفسية القيادات العسكرية، وحينها فهم يجهزون لإنهاء هذا الصداع في أقل من ثلاثة أيام قبل أن يسمح الوقت لأي طرف بالتفكير في شيء آخر يسمح بانقلاب الأوضاع.

2. التسليم بمرسي رئيسا، والدخول في دوامة المساومات.. وهذا هو الحل الأذكى والأسلم والأطول نفسا، وهو الذي يؤول في النهاية إلى الاستفراد بمرسي ومضايقته ببطء وهدوء وتخطيط طويل، وهو الحل الأقرب للعقليات المخابراتية والذي ترفضه النفسية العسكرية التي تعودت أن ترى المدنيين فضلا عن الإسلاميين كحشرات غبية في أحسن الأحوال.

كلما بدا الشعب أكثر صمودا كلما انتصرت العقلية الثانية (المخابراتية الخارجية) على الأولى (العسكر).. وتم التدخل لمنعهم من تجريب خيار الفوضى هذا فهو خطر على كل الأطراف.

بعد كل هذا وقبل كل هذا.. ينبغي أن نلجأ بحق وبجد وبقوة وبكل إيمان ويقين لمالك الكون كله، من بيده الخلق والأمر، من يملك القلوب والنفوس، من لا يصلح عمل المفسدين، ومن لا يهدي كيد الخائنين، ومن ينصر عباده المؤمنين..

فكل ما سبق هو أخذ للأسباب، ويبقى اللجوء لرب الأسباب الذي يقول كن فيكون، ويقذف الرعب في القلوب فتتغير كل موازين المعركة، ويقبض الروح في لحظة فتنهار جبهات القوة وتسود خريطة أخرى..

بقي أمر أخير:

نحن يوما ما سنموت.. الهروب من فكرة الموت غير مجدية لأنه سيدركنا في نهاية الأمر.. الشهادة هي ذروة سنام الإسلام وغاية كل الصالحين الأنقياء.. وحين تطلب الأمة الموت توهب لها الحياة، وحين تكره الموت وتحب الدنيا يتداعى عليها الظالمون كما يتداعى الأكلة إلى فريستهم.

اللهم لا تحرمنا الشهادة في سبيلك، واكتب لبلادنا غدا خيرا من يومها وأمسها