الاثنين، فبراير 25، 2013

من ملامح الدولة الإسلامية.. مجتمع متين


تغمرني فرحة لاشك حين يمتليء فضاء الشباب بنقاش نقد الدولة المركزية الحديثة، ذلك أني أتذكر نظرات الارتياع التي كنت أستقبلها حين كنت أطرح هذا النقد منذ ثماني سنوات، كان الناس آنئذ يتخيلون أن هذا الطرح خارج الزمن وخارج العقل وخارج المنطق، وتلك هي "آخرة الفلسفة" أن تكون "زي عمو ده"!!

وكما قال أخي الكريم د. دسوقي أحمد فإن النقاش يجب أن يأخذ سبيله نحو الحل والتركيب بعد أن أوسع الشباب نموذج الدولة الحديثة نقدا وتفكيكا، ولمجرد الإسهام البسيط في هذا الطرح كانت تلك السطور..

وسنعتبر أن قراء هذه المقالة ممن استوعبوا ضرر وخطر نموذج الدولة الحديثة، وممن استوعبوا منشأها وكيفية ظهورها، والفوارق بينها وبين ماضي الدول بشكل عام، ثم بينها وبين الدولة الإسلامية كما ظهرت تاريخيا.

***

أهم ملامح الواقع:

1. أننا في دولة مركزية حديثة

2. هذه الدولة نشأت وتعمل تحت رعاية وعناية الهيمنة الخارجية، وهي هيمنة الأعداء

3. الأعداء –بالفعل- يسيطرون على أخطر مفاصل الدولة: المال والسلاح والمعلومات = الاقتصاد، الجيش والشرطة، المخابرات وأجهزة الأمن.

***

حقائق على الطريق:

1. لا يمكن بناء استقلال من أي نوع بدون مواجهة مع مركز الهيمنة وأدواته (أمريكا وأتباعها في الداخل)

2. لا يمكن مواجهة نموذج الدولة المركزية الحديثة بغير تفكيك، أو على الأقل، تحييد أهم هذه المفاصل الواقعة تحت سيطرة العدو الخارجي

3. ولا يمكن الانتقال من نموذج الدولة المركزية الحديثة إلى نموذج أقل في السيطرة إلا عبر طريقين:

- مواجهة شاملة كما في الثورات على غرار النموذج السوري والليبي (وهذا ما لا يريده أحد، ولعله إن وُجِد فإنه لا يستطيعه، وبشكل عام فإن المشهد المصري يبدو أنه تجاوز هذا الاحتمال إلا أن يحدث انقلاب عسكري فج أو احتلال خارجي فهذا قد يكون شرارة لمسار غير محسوب)

- صعود رئيس يعبر عن تيار شعبي على رأس هذه الدولة المركزية، يستوعب خطرها وضررها، ثم يقوم هو بذاته وعبر المؤسسات المنتخبة بالتقليص من سلطات الدولة مع منح صلاحيات ومساحات أوسع للمجتمع والعمل الشعبي (سيظهر هنا تخوف الاختراق الخارجي لمنظمات المجتمع المدني والحركات الشعبية.. لكن لهذا حديث آخر)

4. وباعتبار أن الجميع يريد الانتقال الآمن فإن أطراف الفعل السياسي ستنقسم إلى طائفتين:

- الإسلاميون سيدركون عاجلا أم آجلا أن نموذج الدولة المركزية الحديثة يجعلهم رهنا بالنظام العالمي وأسرى في دهاليزه، وبعيدا عن احتمال الخيانة أو التفريط في المنهج، فسيكون أمامهم مساران: الأول ينتهي بهم ككلاب حراسة للنظام العالمي، والثاني محاولة مجاهدة النظام العالمي هذا عبر بناء دولة مستبدة قوية على غرار مشروع محمد علي أو الاتحاد السوفيتي أو النموذج الإيراني (وكل المشاريع من هذه النوعية فشلت وسقطت تماما كالمشروع العلوي والسوفيتي أو في مرحلة الأفول كالإيراني)

- العلمانيون يُدركون تماما أهمية نموذج الدولة المركزية الحديثة بالنسبة لهم، يدركونها أكثر بكثير من الإسلاميين، ويعرفون أن وجودهم فرع من وجودها وأن انتهاءها مقدمة لنهايتهم، فهم سيتشبسون بها إلى آخر ما في جعبتهم، لا سيما بأقوى مفاصلها: الجيش والمخابرات، فإن فشلوا فأمامهم ثلاثة مسارات: أن يتمسلموا (كما تحولوا وتلونوا تبعا للنظام.. وتلك سيرة المنافقين) أو أن ينزووا في مجاهل النسيان حيث يتجاوزهم الواقع والتاريخ أو أن يغادروا تلك البلاد (المتخلفة أهلها إلى حيث يعيشون الانسجام النفسي في الغرب: أرض العلمانية)

***

ماذا يفعل الإسلاميون؟

العقبة الوحيدة التي ظلت واقفة في حلق نموذج الدولة المركزية هي "التماسك المجتمعي"، حيث عجزت الدولة الحديثة عن فرض نموذجها على مناطق القبائل والعائلات، على المناطق ذات التماسك الإنساني والعادات والتقاليد الراسخة.. وفي تلك البقاع اتخذت الدولة سبيل التصفية والمواجهات العنيفة أحيانا ثم لم تنجح، أو سبيل التفاهم والتواصل مع الرموز والعائلات والمراضاة وفي هذه الحالة تحقق استقرار أقل من أن يُرضي نموذج الدولة لكنه أفضل من أن يشعل في وجهها صراعا!

الدولة المركزية الحديثة تريد مواطنا يسلم كل أوراقه لها، إن أراد بناء بيت طلب منها التصريح، أو أراد التعلم ذهب إليها بأوراقه، أو أراد معرفة العالم فتح قنواتها الرسمية وصحافتها الحكومية، فإن دخل في نزاع هرع إلى قسم الشرطة وانتظر حكم المحكمة.. المواطن الصالح المسالم هو من يرى الدولة أمه وأباه بل ربه ومعبوده يلجأ إليها إذا شيك بشوكة.

ما يقلق ذلك النموذج هو نفوذ خارج هيمنتها مثل تملك الأراضي بوضع اليد، وتعليم خارج سياقها مثل الكتاتيب والمساجد، أو إعلام خارج قنواتها مثل المنابر، أو قضاء خارج منظومتها مثل المجالس العرفية، أو ولاء خارج دهاليزها مثل كبير العائلة وشيخ البلد وشيخ المسجد.. وهكذا!

والنظام الإسلامي هو أكثر الأنظمة سعيا في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية هذه، وهذا باب زاخر حافل فياض في النصوص الإسلامية، فعلاقة الدين تؤسس لولاء أساسي كبير لا ينفصم ولا يجوز له أن ينفصم تحت أي ظرف، وصلة الرحم تؤسس لبناء العائلة والقبيلة والعشيرة، وحقوق الجار تؤسس لبناء شبكات جغرافية في الشوارع والأحياء والمناطق، ويظل المسجد –ذلك البناء الأول والحصن الأخير- موجودا في كل بقعة يفرض على الناس أن يجتمعوا فيه كل يوم خمس مرات على الأقل، وهو صالح دائما لأن يكون مركز تعليم ووسيلة إعلام وجمعية خيرية لحل مشكلات المنطقة.. المسجد بحد ذاته نموذج إسلامي فريد استطاع بناء مجتمعات منسجمة وقد كانت في غاية التنافر في وقت قياسي.

كما هو النظام الإسلامي أكبر الأنظمة سعيا في مقاومة التسلط والاستبداد، فهو يعطي لكل أحد حق مقاومة المنكر الصادر عن أي أحد (بشرط العلم والقدرة) حتى لو كان هذا المنكر صادرا عن رأس الدولة نفسه، بل إن سيد الشهداء هو من قتله المستبد حين قام بواجبه، والشهادة هي غاية كل مسلم والجهاد هو ذروة سنام الإسلام.

فالخلاصة من كل ما سبق هو أن واجب الإسلاميين استثمار المساجد بأقصى الطاقة الممكنة، ففي المساجد تولد المجتمعات المتماسكة وتنشأ شبكات العلاقات المفرغة، مع الاهتمام بشكل خاص بأمر الروابط هذا: كصلة الرحم وحقوق الجوار والتعاون على البر والتقوى.. هذه المعاني ينبغي أن تكون الخطاب الإسلامي العام في المرحلة المقبلة.

سيكون النجاح مرهونا بخروج هذا المجتمع من سلطة الدولة طوعا، وأبسط مظاهر هذا النجاح هو لجوء المتخاصمين إلى الفقيه والشيخ ليقضي بينهم، وانتشار جلسات القضاء العرفي، وازدهار العمل التطوعي في المساجد وخارج المساجد تعليما وتثقيفا وتنمية وتعاونا على البر والتقوى، أن تكون المساجد ملجأ من لا ملجأ له في المسرات والمضرات، أن يقوم المسجد بحل مشكلات الأحياء.. وهكذا!

الرئيس الإسلامي الرشيد سيرى في هذه الشبكات إضافة له لا خصما من رصيده، لأن المجتمع سيرفع عن الدولة أعباء ضخمة: عن الشرطة والقضاء والاقتصاد والبطالة.. مجهود المجتمع بشكل عام هو إضافة للحاكم الرشيد، وذلك الحاكم يشجع هذا ويطوره من خلال إتاحة مساحات أوسع لعمل المجتمع، من خلال رعاية أنظمة الأوقاف وتشجيع الأعمال التطوعية والمبادرات الشعبية، بل ويستفيد من هذا في مجالات هي من صميم عمل الدولة كالدبلوماسية الشعبية والقوة الناعمة.

في لحظة قوة المجتمع يكون الخروج من نموذج الدولة المركزية سريعا ولكنه بطريقة متدرجة وآمنة، وسيظل الشرط هو تحييد مؤسسات الدولة المركزية الأقوى كما ذكرنا مع صلابة الحاكم في رعاية هذا التطور أمام الرفض الخارجي الذي سينزعج إلى المالانهاية وهو يفقد السيطرة على كنز امتلكه قرونا، وصار الحصان الاجتماعي جامحا هائلا من بعد ما استطاع الإمساك بقرونه طويلا يوم أن جعله خروفا!

وأهم مما سبق أن المجتمع في سيره نحو الدولة اللامركزية سيبتكر الحلول التفصيلية للمشكلات والعقبات اليومية، وهي تلك التفاصيل المفقودة في نقد الناقدين للدولة الحديثة، والذي يشكو منه من يطالب بحل عملي بعدما سئم مجرد النقد للنموذج القائم.

في الحقيقة ليس من أحد يمتلك تصورا متكاملا تفصيليا لما يأمل أن يكون عليه الوضع، لأن الواقع يفرض جديدا وهذا الجديد يفرض على العقل أن يبتكر حلا، ثم ينشئ هذا الحل واقعا جديدا بظروف جديدة (الجدلية المعروفة بين الفكرة والواقع).. ولن يستطيع أحد إعطاء الكلمة الأخيرة في تصور نهائي.. وحده الواقع العملي المتجه إلى ذلك المسار هو من يصحح نفسه في ذلك السير.

ولقد يصدق في هذا قول الشاعر:

من لي بمثل سيرك المدلل .. تمشي الهوينا وتجيئ في الأول

وقبل هذا وبعده يظل قول الله تعالى خالدا (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)

الأربعاء، فبراير 20، 2013

خرافة الحاكم المنتخب





1. فالحاكم الحقيقي هو سيادة الفريق عبد الفتاح السيسي الذي يملك السلاح.. وهو طبعا غير منتخب!

2. ويعاونه في الحكم السادة أعضاء المحكمة الدستورية العليا، غير المنتخبين، الذين يملكون تفسير القوانين، حيث يجعلون رغبات معاليه أحكاما نهائية نافذة بذاتها غير قابلة للطعن.

3. والمتحدث الرسمي لهم قنوات إعلامية يملكها (غير منتخبين) يجعلون من رؤى وأفعال السادة الحاكمين منتهى الحكمة ونور الهداية وفصل الخطاب.. كما يجعلون ممن يعارضونهم شياطين متوحشة تسيل الدماء على أنيابها!

لكل عنصر من الثلاثة شعار ناري يحرق من يقترب منه:

العسكر.. خط أحمر

الدستورية.. استقلال القضاء

الإعلام.. حرية التعبير

ويبدو أن العناصر الثلاثة كرهت حالة التمثيل التي تحياها، ولم تعد قادرة على رؤية الرئيس المنتخب -وإن كان ضعيفا مهيض الجناح منهوش العرض- فهم يعزفون الآن نغمة "الانقلاب العسكري المأمول.. عجل الله فرجه"!!

وصدق الله العظيم "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"..

السبت، فبراير 16، 2013

من ملامح الدولة الإسلامية.. الشريعة قبل الاقتصاد


لعله من المعلوم من السيرة بالضرورة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقام دولة الإسلام في المدينة وفي المسلمين من لا يملك قوت يومه، بل وحين رحل النبي إلى الرفيق الأعلى مات ودرعه مرهونة، وكان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في بيت النبي نار، يعيش هو وأهله على الأسودان: التمر والماء.

ومن المعروف أن النبي حذر أمته من انفتاح الدنيا عليهم، ومن تنافسهم فيها، فإن ذلك أول الهلكة، وكان من دعائه "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"، وهو هو الذي استعاذ بالله من الفقر وجعله قرين الكفر "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر"، وهو هو الذي قال "اليد العليا خير من اليد السفلى"، و"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".

والشاهد المقصود أن الدولة الإسلامية هي دولة "الفكرة" أو دولة "الرسالة"، وهي نموذج مغاير ومخالف تماما للدولة القومية العلمانية الحديثة، ومن ملامح هذا الاختلاف أن الدين أساس من أسس الدولة الإسلامية، تحرص على إقامته ورعايته وتثبيته في النفوس ونشره ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، والدارسون للسياسة الشرعية يعرفون أن واجبات الحاكم متلخصة في "إقامة الدين وسياسة الدنيا".. بينما لا تحفل الدولة القطرية أو القومية العلمانية المادية بالدين أساسا وتجعله –في أحسن الأحوال- أحوالا شخصية للمواطن بينما دينها وغايتها تحقيق الإنجاز الاقتصادي برفع مستوى الدخل والوصول إلى الكفاية ثم الرفاه، وهي لا تنظر إلى البشر إلا من زاوية انتمائهم إليها، فمن انتمى إليها مُكَرَّم موفور، ومن لم يكن منها لم يكن له حقوق، فالمريض الأجنبي عنها لا يُعامل كالمواطن المريض ولو كان على أرضها، فمن لم يكن على أرضها فلربما أجازت لنفسها احتلاله واستنزافه وإفقاره في سبيل إسعاد مواطنيها.

هذه الخلاصة النظرية نريد النفوذ منها إلى الأثر العملي الواقعي الذي يهمنا الآن..

إن الرئيس الإسلامي الذي ينشد إقامة دولة إسلامية قدوته فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا بد أن يجد نفسه مدفوعا إلى تصحيح مسار الدولة القومية ذات الفكر العلماني المادي، وأول مواطن هذا التصحيح: تصحيح الغاية والهدف!

إن الأمة التي أخرجها الله للناس لتحمل الرسالة الخالدة تحتاج من يعيد إليها ذلك الشعور بالعظمة وأمانة حمل الرسالة، الدين لديها مقدم على الدنيا، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور هدف مقدم على خروجها هي من الفقر إلى الغنى، شعارها "ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى"..

وهي أمة تقبل أن تتحمل الجوع –إذا ما تحقق ذلك الشعور- على أن تقترض بالربا لتحقق خطوة في الإنجاز الاقتصادي، ولا يفعل هذا خير من الإيمان الذي يحرم عليها الربا وينذرها "بحرب من الله ورسوله"، في مقابل الوعد الإلهي الخالد "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقول لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض".

إن مخاطبة غرائز الناس واحتياجاتهم الاقتصادية وتقديمه على التأسيس للدين والتعلق به يسحب الحركة الإسلامية للفكر المادي ويسوقها للتنازل عن الدين، بينما خطاب الدين والشريعة يفجر طاقات الناس ويثير بدائع الشعوب.
إن خطاب المادية والعلمانية يجعل الناس أسرى لحاجاتهم الاقتصادية التي لا تُشبع أبدا، وينزع عنهم أهلية حمل الرسالة، فينزع عنهم كونهم "خير أمة أخرجت للناس"، وهو ما لا تطيقه الأمة المسلمة ولا يجوز أن يقع فيه رئيس يحمل الإسلام بين جنبيه قولا وعملا لا مجرد شعار وعنوان.

إن شعوبنا المسلمة لا تحتاج إلى لقمة العيش بقدر ما تحتاج إلى قيادة تعيدها إلى عزتها النفسية النابعة من حملها الرسالة الخاتمة "أمة قائدها محمد"!

وإن الرئيس –حين يختار المسار المادي العلماني- سيحرق نفسه في العمل على إشباع الحاجات الاقتصادية بينما سيجلس الشعب ينتظر ويراقب ويُقَيِّم ثم قد يتمرد ويثور إذا لم يعجبه حجم الإنجاز، بينما هو -في السياق الإسلامي- باعث نهضة تستند إلى العزة والكرامة والرسالة، قائدا للشعب يوجهه بكلام الله وسنة نبيه وسيرة سلفه الصالح وبطولات تاريخهم الماجد، وحينها سيبذل الشعب كل ما يملك من طاقات حتى وإن لم يدرك الثمرة، وحتى وإن كانت به خصاصة.

ولو انتبه الرئيس الإسلامي وتأمل لعلم أن الشعوب التي تحمل الرسالة وتتوق للعزة والكرامة بل وتطلب الشهادة خير له من الشعوب التي تنتظر ارتفاع مستوى الدخل ثم الرفاهية ثم اللذة.

إن القعود عن الجهاد والتولي يوم الزحف من "الكبائر" في الإسلام رغم أنه من أبسط "الحقوق والحريات" في الفكر المادي العلماني، ولهذا آثار بعيدة وكبيرة وفارقة ومصيرية.. بحجم الفارق بين حملة الرسالة والذين أخلدوا إلى الأرض.

ولقد تميز المجتمع النبوي بكونه مجتمعا من المجاهدين، لا يتخلف عن الجهاد إلا معذور أو منافق، وقد لقي الثلاثة المؤمنون تأديبا قاسيا لما تخلفوا مرة واحدة.

إذا انتشر الدين في المجتمع، ارتفع بغايات الناس وتطلعاتهم ورغائبهم نحو بذل الجهد، بل وبذل النفس في الجهاد، يرغب الآخرة ويزهد في الدنيا، يحمل الرسالة، يبحث عن دوره في إصلاح الحياة لا منتظرا إنجازا يرفع مستوى دخله!

بنظرة بسيطة، سيكمن حل المشكلة الاقتصادية نفسها إذا زهد الناس في الدنيا وكانوا أخلص للدين والرسالة الذي يفرض عليهم دورا فاعلا في إصلاح الحياة.

والخلاصة: المشروع الإسلامي والدولة الإسلامية نموذج مغاير ومفارق لنموذج الدولة العلمانية المادية القائمة، استيعاب هذا حتم لازم، للرئيس الإسلامي، ولكل أصحاب المشروع الإسلامي.

الأربعاء، فبراير 13، 2013

في ذكرى البنا.. موجز تاريخ الإخوان


1. كان الإمام البنا شخصية متفردة جمعت بين العلم الشرعي وفهم الواقع وتحديد الحل والمهارة الحركية للتنفيذ.

2. استطاع تكوين بناء عبقري هو جماعة الإخوان المسلمين، جعله قسمين: قسم عام لإعادة الناس إلى الإسلام، ونظام خاص لتكوين القوة الواجبة لتحقيق الحلم.

3. ذكاء وعبقرية البنا كانت تجعله سابقا لمعاصريه وأتباعه، وكانت أبرز المشكلات المترتبة على هذا أنه كان يرى الشورى معلمة وليست ملزمة، ولم يستطع تكوين جيل ثان يحمل الرسالة فكانت الجماعة هي البنا والبنا هو الجماعة.

4. لم يفقه خطورة البعث الإسلامي إلا أعداء الإسلام (الإنجليز) وفشلت محاولات احتوائه وظهر خطره في حرب فلسطين تحديدا فاتخذ قرار تصفيته.

5. تمت تصفية البنا وما زال في الأربعين من عمره، لم يتكون جيل ثان أو زعيم ثان، فدخلت الجماعة في فوضى عارمة حقيقية هي في رأيي نهاية جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها البنا، وجاء جيل آخر.

6. بعد نحو ثلاث سنوات بدأت الجماعة تجمع شتاتها، في هذه السنوات حدثت العديد من الكوارث المؤثرة والفارقة أهمها:

  
- تفكك النظام الخاص (القوة الحقيقية للجماعة)

- انفصال عبد الناصر بالنظام الخاص للإخوان في الجيش، فأدخل فيه الحشاشين والمقربين ومن على هواه الفاسد.. والجماعة لا تدري!

7. وفي لغز غير مكشوف حتى الآن تم اختيار حسن الهضيبي لمكتب الإرشاد، وبدخول حسن الهضيبي (القانوني) جاءت معه مجموعة كثر فيها القانونيون (عبد القادر عودة - حسن عشماوي .. وغيرهم) فأشاعت سياساتها فوضى هائلة داخل الجماعة.

8. تمثلت أخطر آثار هذه الفوضى في نقطتين: القيادة الجديدة لا تشغل ولو عشر ما يشغله البنا من العقول والقلوب والحركة، والثانية: هي فوضى إدارة النظام الخاص (القوة الحقيقية للجماعة)

9. وفي ظل كون عبد الناصر عضوا سابقا فقد تلاعب عبد الناصر بالجماعة بذكائه وبغفلة هذه المجموعة حتى تدمر النظام الخاص بالفعل واستطاع عبد الناصر استقطاب بعضه، كما وحدثت انشقاقات ضد الهضيبي.

10. انتهت المرحلة إلى جماعة دعوية مهلهلة بقيادة الهضيبي، بلا نظام خاص يحميها أو حتى يرقب الأحداث لها.. وما إن اكتمل هذا حتى كان عبد الناصر قد بدأ في تصفيتهم بالفعل وبدأت محنة 1954.

11. من استطاع كشف عبد الناصر لم يستطع أن يتحرك في ظل مجموعة الهضيبي في القيادة، وأغلبهم لم يكتشف شيئا إلا بعد فوات الأوان، والإخوان في القواعد كانوا يظنون أن عبد الناصر أخ منهم حتى أفاقوا في السجون على لسع السياط.

12. بدأت محاولات استعادة منهج البنا مع سيد قطب، لكن سيد قطب كان مفكرا أديبا أكثر منه حركيا، فأعاد إنتاج منهج البنا بعبارات وألفاظ عليها طعم المحنة وحرارة الألم.. ثم عليها المستوى الأدبي الرفيع لسيد قطب.

13. لكن هذه المحاولات تم إجهاضها بالعنف العسكري من قبل النظام وبالمواجهات الفكرية من قبل الهضيبي ومجموعته الذين تمسكوا بأنهم مجرد دعاة لا أكثر (من يطالع تراث البنا يعرف بيقين أن البنا لم ينظر ولم يخطط أبدا للإخوان على أنهم مجرد دعاة)

14. عشرون عاما في المحنة انجلت في عهد السادات! وكان هذا الأخير يحتاج قاعدة جديدة لحكمه من بعد ما ترك له عبد الناصر إرثا من الشيوعيين واليسار.

15. السادات -أذكى رؤساء مصر- صنع الديمقراطية الوهمية، وهي الخدعة التي سيعاني منها الإسلاميون نصف قرن مقبل.. لقد أقنع الإسلاميين بأن المجال مفتوح أمامهم، والتقى القوم الذين خرجوا من الحبس والعذاب بعد عشرين سنة بشباب كونوا صحوة إسلامية في طفولتها بدأت بعد نكبة 67 وقويت بعد نصر 73.

16. جيل السبعينات الإسلامي هو "الجيل المخدوع" الذي ظن أن مساحة الحرية ستظل مفتوحة بينما هي في الحقيقة رهينة رغبة الحاكم الذي يحتفظ بكل مفاصل الدولة في يده، ومن خلف الحاكم الخارج المهيمن.. ولهذا استسلم الجميع لمسار الدعوة (دون صناعة قوة حقيقية تحمي الدعوة أو تجعلها ذات قيمة في معادلة القوى) ونجحوا جدا في مسار الدعوة لكنهم ظلوا رهن الحاكم الذي كان يملك اتخاذ قرار بنسف كل شيء.

17. لم يفهم هذه الخدعة إلا من حملوا السلاح، وبالذات جماعة الجهاد المصرية.. ثم بدرجة أقل كثيرا الجماعة الإسلامية.. ووقع فيها تماما الإخوان والسلفيون.. لكننا الآن سنمضي مع الإخوان تاركين لنقد الباقين مقاما آخر.

18. في مرحلة السبعينات تراجعت جماعة الإخوان عن أهم أفكار البنا، وتبرأت من أعمال العنف فيما قبل انقلاب يوليو، وتأولت إنشاء النظام الخاص، أي أن الحركة دجنت نفسها بنفسها ونزعت عن نفسها عمليا ثم فكريا أية أفكار لا تناسب الدولة القائمة.. هذه المرحلة عنوانها هو المرشد الراحل عمر التلمساني (قانوني أيضا).

[بشكل عام أتشاءم من أي حركة يكثر في قيادتها أو يغلب عليها قانيون، ولا أكاد أتذكر حركة نجحت بقيادة قانونية.. لكن الأمر يحتاج بحثا أوسع]

19. منذ عمر التلمساني ظهر جناحان في الإخوان، جناح ابتلع الخدعة كاملة وجناح ظل منها على وجل كان أبرز رموزه من بقي من النظام الخاص مثل مصطفى مشهور.. وقد جمع بينهما أن المرحلة تستدعي إعادة تجميع الكيان الدعوى، فبدأت خطة إعادة جمع التنظيم ولكن على شرط وطريقة النظام الخاص التي أهم ملامحها (السرية - السمع والطاعة - البيعة ... إلخ).

20. في تقديري لولا هذا الجناح، ولولا هذه الطريقة لكان تنظيم الإخوان قد انتهى في السبعينات وذاب تماما.. لكنه بقي يحتفظ بقدر من التماسك يناور به السلطة القائمة.

21. جاء مبارك العسكري الغبي البليد الذي لم يكن يملك جرأة عبد الناصر فيذبح الإخوان ولا ذكاء السادات فيناورهم ويحتويهم، ولم يكن الإخوان يمثلون خطرا عليه حتى بداية التسعينات (مع ظهور جبهة الإنقاذ الجزائرية واكتساحها للانتخابات)..

22. في هذه السنوات بداية من 1981 وحتى 1990 كان الإخوان يكتسحون -رغم عقبات السلطة- انتخابات البرلمان والنقابات، وكان مبارك قد استطاع تأسيس استبداده، وظهرت العمليات المسلحة (المنفعلة المتخبطة بلا ترتيب ولا رؤية عامة) من الجماعة الإسلامية.. فبدأت السلطة في الضرب العنيف لكل التيارات الإسلامية، استخدمت الإخوان والسلفيين لضرب المسلحين، فلما انتهت منهم ضربت الإخوان والسلفيين وأودعتهم السجون والمحاكم العسكرية.

23. كان عقد التسعينات عقد شلل بالنسبة للإخوان، السلطة تضربهم وتحجمهم، وهم يجاهدون لمجرد ممارسة النشاط الدعوي.

24. وفي نهاية هذا العقد (الفاشل) كانت الخلافات بين جناح التلمساني وجناح مشهور قد ظهرت في الأفق، هؤلاء يرون أن ضيق الأفق يعطل حركة الجماعة ولا يعطيها المرونة الكافية لمناورة النظام، وأولئك يرون أن فكر وحركة هؤلاء كفيلة بإذابة الجماعة وتفكيك تنظيمها (خصوصا وأن أفكار "الوسطية" و "الإسلام الحضاري" قد بدأت في الظهور مع الفشل القائم في تحقيق أي نجاحات).

25. جاء عقد الألفينات -نصفه الأول بالذات- بالزلازل: الانتفاضة، 11 سبتمبر، غزو أفغانستان، غزو العراق، اغتيال أحمد ياسين والرنتيسي .. ولم يكن أمام الجماعة الدعوية المقهورة إلا أن تقدم كافة أنواع الدلائل على أنها ليست إرهابية.. لكن السلطة الباطشة لا ترحم ومن ورائها أمريكا المجنونة.

26. وبرغم أن النصف الثاني من هذا العقد أتى بمبشرات كثيرة على الصعود الإسلامي وفشل امريكا المجنونة (انتخابات فلسطين، انتصار حزب الله، انتصار حماس، الفشل الأمريكي في أفغانستان والعراق، إرهاضات الحراك ضد مبارك في مصر) إلا أن جانب الاحتياط غلب جانب المبادرة في تفكير الجماعة مما جعلها مترقبة وحذرة أكثر منها فاعلة ومبادرة.

27. الجماعة التي لم تكن فاعلة إلا في عهد البنا، ثم في خانة المفعول به ورد الفعل في باقي العهود وصلت إلى زمن الثورات العربية بعقلية المترقب الحريص المتردد، والباذل للسلطة الداخلية أو الخارج المهيمن كافة الضمانات على أنها لا تمثل خطرا عليهم.. ولولا أن الله تفضل علينا وعليهم فنزع الحلول الوسطى وبقيت الحلول الصفرية لما اتخذت الجماعة موقفا أبدا:

- انتهاء أي أمل في نظام مبارك (صفر البرلمان) ثم الثورة.

- فشل كل حلول التوافق مع العسكر بل ظهر في الأفق الجزار الجديد عمر سليمان فاضطروا للترشح للرئاسة.

- ظهور الرغبة العلمانية في الإقصاء الكامل للإخوان منذ ما بعد الثورة حتى الآن مما اضطرهم إلى الوجود في تشكيل الفترة الانتقالية من بعد ما أرادوا طمأنة الجميع بعدم الترشح للرئاسة والترشح على ثلث البرلمان فقط

وكثير من تفاصيل أخرى..

لكن الخلاصة أن الله نزع الحلول الوسطى من المشهد ولم تبق إلا الحلول الصفرية، فدفعهم الخوف على أنفسهم إلى الحركة والمنافسة.. كانوا أمام قاعدة تقول "القصر أو القبر".. وكعادتهم دائما متميزون في "ثبات الصمود لا شجاعة الإقدام"، فاختاروا القصر مضطرين.

28. في تقديري فإن جماعة الإخوان التي أسسها البنا ماتت معه فلم يكن له خلف يحملها على قدره، ومن خلفه فيها لم يكن متشربا رؤيته ونهجه.. والذين بعد البنا هم جماعة أخرى اتخذت من الإخوان جذورا واتخذت اسما كذلك.

29. لا أحب أن أكون متشائما، ولكني لا أعول مطلقا على نجاح الإخوان في الحكم أو أي شيء آخر، هم في شيخوختهم وأيامهم الأخيرة كجماعة (وهذا الكلام أقوله من قبل الثورة، ولا تزيدني الأيام إلا يقينا فيه).. ولا نعرف جماعة في التاريخ أخذت التمكين في الجيل الثالث أو الرابع أو الخامس.

30. غاية ما ينبغي الحفاظ عليه هو الحفاظ على مكسب التحول الديمقراطي والانتخابات النزيهة والتداول السلمي للسلطة، ولئن كنت غير مؤمل كثيرا في قدرة الإخوان على هذا أيضا إلا أن المقصد هو أن دعم الإخوان الآن واجب وطني لإنجاح تجربة التحول الديمقراطي قبل إنجاح الرئيس الإخواني.

وفي النهاية يجب أن نعلم أن الديمقراطية وهم، وأن الحق نفسه وهم إن لم يخضع له السلاح، وما يبدو الآن أن أمريكا تحتفظ بمفاصل الدولة في أيدي أصدقائها (المال والسلاح والملعومات) بينما تترك للمخدوعين بالديمقراطية مساحة لبناء الكباري والصرف الصحي وتحقيق بعض هوامش النجاح الاقتصادي لا أكثر.. ثم تظل التبعية قائمة راسخة تحت السيطرة.

السبت، فبراير 09، 2013

ثناء الشيخ حازم أبو إسماعيل على كتاب "رحلة الخلافة العباسية"

قال الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بأن كتاب "رحلة الخلافة العباسية" عمل عظيم ورائع، وقدم التهنئة لمؤلفيه: محمد إلهامي ومحمد شعبان أيوب.

وذكر الشيخ أنه تلقى نسخة من الكتاب الذي وصفه بأنه مجهود وافر ومشرف، وأنه يكفي مؤلفيه ولو لم يكتبا غيره..

ويظهر في هذا الفيديو حديثه مع المؤلف محمد إلهامي وتحميله التهنئة للأخ محمد شعبان أيوب.. وأوصى الشيخ بقرائته.

كان هذا في اجتماع عام لفرق العمل في إطار التمهيد لإعلان الشيخ حازم عن حزبه الجديد