السبت، أبريل 27، 2013

فراغ القيادة الحركية من التجربة التاريخية


قبل سنوات رصدت أني أقع في مأزق واحد أكثر من مرة، وانتهى الأمر بعد التفتيش إلى نتيجة أن هذه المآزق هي التجارب التي لم أقيمها سابقا، أو قيمتها ولكني لم أنفذ توصيات هذا التقييم، فعاد ذات المأزق، ولُدِغت من ذات الجحر، ووقعت في الحفرة الواحدة مرتين أو أكثر.. وياله من عار!

هكذا يجري الأمر مع أي فشل: والسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه، وهناك نوع ثالث وهو من ينجيه الله من مأزق فلا يتعظ حتى بنفسه ويكرر المأساة حتى تأتيه القاصمة.

هل تدري أن مسار ثورة يناير كان سائرا في مسار انقلاب يوليو تماما، وأن الإخوان كانوا سائرين إلى المذبحة كما ساروا إليها تماما قبل نصف قرن (وبعض من لُدِغوا من يوليو ما زالوا أحياء يرزقون وفي مواقع صناعة القرار)، لولا أن كُسِر هذا المسار بعدد من العوامل أهمها: الشباب الثوري، الشباب الإسلامي المتحرر من قيود الجماعات والقارئ للتجربة التاريخية، وتجمع هؤلاء تحت رجل يقظ أستاذ كالشيخ حازم أبو إسماعيل، وبعض عوامل خارجية ودولية أخرى.

عبر التفتيش في أسباب هذه المسيرة الإخوانية وصلت إلى نتيجة أن الإخوان أنفسهم لم يقرأوا تاريخهم، وأن ما كتبوه من تاريخ كان مناقبيا فضائليا مهتما بإبراز الحسنات ودس السيئات وطمس التجارب، وأفضل ما كتب في تاريخ الإخوان تفصيلا للتجربة وتركيزا على دروسها كان من أناس لم يعودوا من الإخوان.

(أوصي بقراءة: التصويب الأمين لمحمود الصباغ، والنقط فوق الحروف لأحمد عادل كمال على وجه الخصوص)

تلك هي فائدة التاريخ المسطورة في العبارة المشهورة "من وعى التاريخ في صدره أضاف أعمارا إلى عمره"

ومن المؤسف أن القراءة التاريخية الإسلامية ما زالت في طور الولادة، وجنينها حتى الآن مهيض ضعيف وأحب أن أقول إنه مشوه أيضا، ولا بد من علاجات جراحية قاسية ليستعيد الأمل في الحياة.

ثمة "دعاة" يستخدمون التاريخ في نصرة أفكارهم لا في استخلاص الدروس منه لتصحيح أفكارهم، وهو يشبه قول القائل "يعتقد ثم يستدل"، ومع أن "الدعاة بالتاريخ من الإخوان" أنتجوا مولودا شائها إلا أن "الدعاة بالتاريخ من السلفيين" أنتجوا سقطا ميتا ويظنونه تاريخا.

وهنا، ولغرض التوضيح فقط، مع الاحتفاظ لكل هؤلاء بالإجلال والتقدير في شخوصهم، وحفظ السابقة في علمهم وجهادهم، أراني مضطرا لضرب بعض الأمثلة بالأسماء:

د. علي الصلابي، د. راغب السرجاني: يبحثان في كل تجربة نهضة عن فترة التربية والتكوين (وكثيرا ما يتكلفونها تكلفا شديدا، ويقعون لأجل هذا في أخطاء تضرب نزاهة البحث العلمي) لأن الفكرة المستقرة في وجدانهم هو: ضرورة التربية وضرورة وجود فترة التكوين قبل كل تجربة نصر، وهذا ليس صحيحا، والمقام لا يتسع لضرب أمثلة تفصيلية.. لكن يمكن النظر إلى قمة هذا المنهج في كتاب مثل "هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا تحررت القدس" للدكتور ماجد عرسان الكيلاني الذي سخر كل فترة ما قبل تحرير القدس ليقول -وبغير الحد الأدنى من التماسك العلمي- بأنها فترة التربية والتكوين لجيل النصر والتمكين.

وفي السلفيين نذكر مثالين أيضا: الشيخ سيد حسين العفاني وكتابه "أعلام وأقزام في ميزان الإسلام"، والشيخ سليمان صالح الخراشي في عدد من كتبه، وأضف إليها ما كتبه السلفيون عن جمال الدين الأفغاني وعن الدولة العثمانية، ففي هذه المصادر يُروى التاريخ على قاعدة "الولاء والبراء"، والولاء هنا ليس لأمة الإسلام، بل هو للمذهب الضيق، مذهب أهل الحديث في العقيدة، والاختيارات الفقهية السلفية، وبهذا الميزان يطيش كل خير قام به آخرون، ولأن هذا الميزان كثيرا ما يكون شخصيا، ويكون للكاتب اختيار داخل المذهب، فهو يوالي ويعادي تبعا لهذا القول..

لذا فإنك تجد كتاب "أعلام وأقزام" للشيخ حسين العفاني بلا أعلام بل كلهم أقزام رغم أن الفهرس مليئ بأسماء أعلام المسلمين (أنصف الشيخ بعضهم أحيانا نادرة بألفاظ عابرة).. كما تجد سلسلة "في الميزان" لسليمان الخراشي بلا إنصاف بل هو تتبع للزلات والسقطات، وأحيانا لا تكون زلات إلا على ميزانه هو.

وبحسب الأخلاق الشخصية للكاتب تكون درجة أمانته، وإن مما يُمدح به الإخوان بشكل عام هو ارتفاع أخلاقهم، وهم أبعد أبناء التيار الإسلامي عن التزوير والتدليس، وهو أمر ينبغي أن تهتم له الحركة الدعوية السلفية فإن ظلم المخالف ورمي نيته مما يشيع في بعض شبابهم (وهنا ألفت النظر لكتاب اسمه: دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، إذ يعد هذا الكتاب نموذجا للتزوير العلمي مع الانهيار الأخلاقي، ولولا الميول المذهبية لمن أشرف عليه وناقشه لما استحق الإجازة في أي جامعة أو معهد علمي يحترم نفسه)

انتهى ضرب الأمثلة، مع إعادة التأكيد على أن الغرض ليس طعنا في أشخاص ولا رميهم بما يشين.. والغرض الآن هو توضيح الآتي:

أن انتفاء القراءة التاريخية المعمقة للتجارب يوكل الحركة الإسلامية لعقول قادتها، عقولهم الفارغة من التجارب التاريخية أيضا، فتكون النتيجة هي سهولة التلاعب بهم من قبل عدو لا يتحرك إلا بعد توصيات مراكز بحثية تستخلص التجارب السابقة وتوصيات مراكز نفسية تستخلص طرائق التعامل مع أمثالهم.. فتسير الحركة الإسلامية بكل الإخلاص والحرقة إلى الهاوية وهي تظن أنها سائرة إلى المجد

(هنا أوصي بقراءة كتاب: مختصر شهادتي على التجربة الجهادية في الجزائر، لأبي مصعب السوري.. إذ كتب كيف تمكنت أجهزة الاستخبارات من اختراق الجماعة الإسلامية المسلحة، فاستطاعت إدارة المعركة بدعم كامل من الإسلاميين المُسْتَغفَلين، حتى وصلوا إلى الهاوية بأنفسهم، بكامل سرعتهم وإخلاصهم)

وأسوأ من اختفاء التجربة التاريخية الرصينة من عقول قادة الحركات الإسلامية هو أن يمتلئ هذا الفراغ من خلال الإعلام -وغالبه خصوم وأعداء- أو من خلال "المفكرين والفلاسفة" ممن تنقصهم المرجعية الشرعية وتملؤهم الألفاظ الفلسفية الفخمة

(جلست مرة مع "خبير" منهم وكان غاضبا من فشل مرسي ويقترح أن يستعمل أعداءه، فيعين البرادعي مبعوثا دوليا، وحمدين وزير شؤون اجتماعية، وعمرو موسى دبلوماسيا كبيرا.. وصعقني الرجل، أين هو من آية "لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا"، وكيف بلغ التسطيح أن يرى المشكلة في المناصب لا في التوجهات الكبرى)

إن خلاصات العقول بدون تجربة تاريخية تشبه إعادة اختراع العجلة، حيث يتم تجريب كل شيء للمرة الأولى مع ذات الاعتقاد بأنها ستنجح!!!

ومن أمثلة هذا:

1. اعتقاد الرئيس مرسي أن الحاكم يمكن أن ينجح بلا هيبة في القلوب، وأن تركه لعرضه مستباحا هو نوع من السماحة واللين واللطف والرحمة..

- ورغم أننا لا نعرف مستباحا استطاع أن يحكم وأن يُنجِز وأن يؤسس فصلا جديدا في مسيرة الدول..

- ورغم أننا نقرأ في التاريخ كلاما عن ضرورة الهيبة للحاكم لا سيما إن كان في بداية فصل جديد ويريد تأسيس دولة جديدة..

رغم هذا فإن الرئيس مرسي لا يستوعب هذا الكلام ويصر على أنه سينجح بلا هيبة!

2. اعتقاد الرئيس مرسي، ومن ورائه الإخوان، أن النجاح الاقتصادي سيكفي وحده لصد عاديات المؤامرات الفلولية والحملات الإعلامية في تقريبه من الناس..

- ورغم أن أحدا من الناس لم يكن يحمي الإخوان أو غيرهم من الإسلاميين أيام مبارك رغم خدماتهم الاجتماعية الوافرة، وغاية ما يقدمونه هو مصمصة الشفاه والتعاطف وشتم النظام في السر..

- ورغم أن الناس تعاطفوا مع من أذلهم ثلاثين سنة -بحملة إعلامية وخطاب عاطفي- في لحظة فارقة.. بل خرجوا يهتفون بحياة وعودة عبد الناصر بعد واحدة من أسرع وأبشع هزائم التاريخ الحديث

- ورغم أن الوفرة الاقتصادية لم تنفع كثيرا من الحكام في تثبيت عروشهم "أربكان مثالا" مع افتقاده السلطة الحقيقية..

- ورغم أن حملة إعلامية أو حكما قضائيا يستطيع ببساطة تشويه أي إنجاز أو تعويقه..

رغم هذا فإن الرئيس مرسي لا يستوعب شيئا من هذا ويصر على أنه سينجح في التصدي لكل هؤلاء بمزيد من السعي في الاقتصاد.

3. اعتقاد حزب النور بأن من النزاهة والتجرد معارضة الإخوان في الخطأ والوصول بهذه المعارضة إلى النهاية، وأن الخلاف مع الإخوان يساوي الخلاف مع الفصائل العلمانية أو حتى مع غير المسلمين، بل قد يقال بأن الإخوان أخطر من غيرهم لأنهم يفسدون على الناس دينهم بينما غيرهم يفسد على الناس دنياهم، ولقد قال الشيخ أحمد فريد -غفر الله لنا وله- قولا عظيما بأنه لو عاد الزمن فسينتخب شفيقًا للرئاسة بدلا من مرسي!!

- ورغم أن العلمانيين لو فازوا لن يتركوا لأحد دينا ولا دنيا..

- ورغم أننا في مصر لم نر أبشع ما في العلمانيين للطف الله بنا، فإن علمانية بورقيبة وبن علي منعت على الناس شعائر دينية من صميم أحوالهم الشخصية..

- ورغم أن الفرصة المتاحة الآن ليس فيها أفضل من الإخوان ولو من قبيل حرية الدعوة والتقاء الناس في المساجد وغيرها..

رغم كل هذا إلا أن حزب النور سائر في طريقه، تفسح له الفضائيات شاشاتها، والصحافة صفحاتها، فإذا انتهى الدور المرسوم عاد الجميع دجاجا في قفص الجزار.

لقد استعمل عسكر الجزائر: الإخوان والسلفيين والسروريين ضد الجهاديين، فلما أن قضوا عليهم لم يفز أحد من هؤلاء بل ظلت العسكرية العلمانية تسيطر على كل هؤلاء الإسلاميين، فمن شاءت استعملته تحت عينها وجناحها ومن لم تشأ ألحقته بمن قضت عليهم بأيديهم..

ولكن كم في قيادات حزب النور من قرأ تجربة الجزائر؟!!!!

الجمعة، أبريل 12، 2013

ردّ أذى المجرمين عن صلاح الدين





قال الشاعر:

إذا رضيت عني كرام عشيرتي .. فلا زال غضبانا عليّ لئامُها

والسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي يحبه المسلمون -لا سيما المجاهدون- كما يحبه كل إنسان عرف معنى الأخلاق الرفيعة، فيما يكرهه الصليبيون إذ طردهم من بيت المقدس بعد تسعين سنة وقد ظنوا أنهم سيخلدون فيه، والشيعة الذين أنهى دولتهم بعد قرنين وقد ظنوها تمتد إلى يوم القيامة، والباطنية الذين كانوا طوال عمرهم سيفا في يد أعداء الدين وبابا إلى الكفر بالله وتحريف آياته..

فلئن رأيت هجوما على صلاح الدين فإنه موصول بأحد هذه الثلاثة: صليبية، شيعية، صوفية باطنية!

ولقد كان هؤلاء الثلاثة من خسة المنزلة بحيث فجروا في الخصومة بما لم يفعله أعداء صلاح الدين في زمنه، ففي ذلك الزمن أسلم كثيرون من الصليبيين لما رأوه من أخلاق صلاح الدين، ومن لم يسلم منهم شهد له بالفضل والسمو والمقام الرفيع، ولقد كان أكثرهم تعصبا من ألف تاريخا يحاول فيه إلصاق صلاح الدين بالمسيحية فيختلق قصة حول أمه المسيحية أو حول اعتناقه المسيحية وهو على فراش الموت، وهي المحاولات التي أثارت سخرية المؤرخين الغربيين أنفسهم! ولكنهم أبصروا فيها مدى ما بلغه سحر صلاح الدين في النفوس.

يقول المثل المصري عن الجاهل المفسد "هبلة ومسكت طبلة"، ولكن مصر هذه الأيام أمسك فيها الطبال لا بطبلة بل بقناة فضائية صاحبها صليبي معروف بعدائه للإسلام وعلاقته بإسرائيل وتهربه من ضرائب بالمليارات.. ومعه في هذا صوفي باطني يردد كلما سئل عن دينه مقالة ابن عربي:

لقد صار قلبي قابلا  كل صورة .. فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف .. وألواح توراة ومصحف قرآن

وإن حالهما يغني عن محاولة الرد عليهما، فالأمر كما قيل:

كم عالم متفضل قد سَبَّه .. من لا يساوي غرزة في نعله

ولكن اتخذناها فرصة للتذكير بمناقب صلاح الدين، وقد آثرنا أن نسكت لندع الحقيقة تتكلم، فنقلنا مناقب صلاح الدين عن مؤرخين غربيين شهدوا بالحق، والحق ما شهدت به الأعداء، ليعلم قومنا أن الذين تسلطوا على إعلامنا أشد علينا فجورا وخسة من أعدائنا.

***

"في عهد صلاح الدين الأيوبي في مصر تمتع المسيحيون بالسعادة إلى حد كبير في ظل ذلك الحاكم، الذي عرف بالتسامح الديني، فقد خففت الضرائب التي كانت فرضت عليهم، وزال بعضها جملة، وملئوا الوظائف العامة؛ كوزراء، وكتاب، وصيارفة. وفي عهد خلفاء صلاح الدين نعموا بمثل هذا التسامح والرعاية قرابة قرن من الزمان، ولم يكن هناك ما يشكون منه إلا ما اتصف به كهنتهم أنفسهم من الفساد والانحطاط، فقد فشت السيمونية بينهم، فبيعت مناصب القسيسين الذين اتصفوا بالجهل والرذيلة، على حين حيل بين الذين طلبوا التعيين وبين هذا المنصب المقدس؛ بعجزهم عن أداء الأموال المطلوبة في احتقار وازدراء، مع أنهم كانوا الجديرين بشغل هذا المنصب" [توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص128، 129]

"يظهر أن أخلاق صلاح الدين الأيوبي وحياته التي انطوت على البطولة، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا، حتى إن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية، وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين" [توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص111]

"لما غزا الصليبيون الأرض المقدسة سنة (1099م)، خلفوا وراءهم في كل مكان الموت والدمار، بيد أنه لما رد صلاح الدين الصليبيين على أعقابهم، لم يلجأ إلى وسائل الانتقام، ولم يخرب المسلمون الأماكن التي فتحوها، كما فعل المقاتلون الدينيون السابقون لهم من الممالك الأخرى، فأينما وضعوا أرجلهم نشأ شيء جديد أسمى وأفضل مما كان قبلا" [رونالد ف بودلي: الرسول ص147]

"لم يشأ السلطان صلاح الدين أن يفعل في الصليبيين مثل ما فعله الصليبيون الأولون من ضروب التوحش، فيبيد النصارى عن بكرة أبيهم؛ فقد اكتفى بفرض جزية طفيفة عليهم مانعا سلب شيء منهم" [جوستاف لوبون: حضارة العرب ص329]

"حين تمكن صلاح الدين الأيوبي من استرداد بيت المقدس (583هـ=1187م) -التي كان الصليبيون قد انتزعوها من قبل (492هـ=1099م) بعد أن سفكوا دماء أهلها في مذبحة لا تدانيها مذبحة وحشية وقسوة- فإنه لم يسفك دم سكانها من النصارى انتقاما لسفك دم المسلمين، بل إنه شملهم بمروءته، وأسبغ عليهم من جوده ورحمته، ضاربا المثل في التخلق بروح الفروسية العالية، وعلى العكس من المسلمين، لم تعرف الفروسية النصرانية أي التزام خلقي تجاه كلمة الشرف أو الأسرى" [زيجريد هونكه: الله ليس كذلك ص34]

"فترة الاضطراب هذه سوف تساعد على ظهور قائد مسلم، وهو رجل شديد التدين لن يتمتع بفكر مثل هارون الرشيد والمأمون، ولا الحاكم في القاهرة، أو عبد الرحمن الثالث في قرطبة، إلا أنه سيجسد نوعا من شرف الفروسية الإسلامية سيكون مثار انبهار الأوربيين، بل وسيدفعهم نبله هذا إلى العديد من المواقف المحرجة، فما كان منهم إلا التماس أن السبب وراء أخلاقه الرفيعة والكريمة ما هو إلا لأن لديه دماء أوربية تجري في عروقه، هذا الرجل هو صلاح الدين، ومثل هارون الرشيد، تجد القصص التي تحيط به لها طابع رومانسي وأسطوري، لكن رقيه الأساسي وحكمه الإنساني في الأمور المستفزة هو حقيقي ويقتدى به" [مايكل ه مورجان: تاريخ ضائع ص268]

"لقد أجمعت الآراء على أن صلاح الدين كان أنبل من اشترك في الحروب الصليبية" [ول ديورانت: قصة الحضارة 13/141]

"كان في العادة شفيقا على الضعفاء، رحيما بالمغلوبين، يسمو على أعدائه في وفائه بوعده سموا جعل المؤرخين المسيحيين يعجبون كيف يخلق الدين الإسلامي -"الخاطئ" في ظنهم- رجلا يصل في العظمة إلى هذا الحد، وكان يعامل خدمه أرق معاملة، ويستمع بنفسه إلى مطالب الشعب جميعها، وكانت قيمة المال عنده لا تزيد على قيمة التراب، ولم يترك في خزانته الخاصة بعد موته إلا دينارا واحدا؛ وقد ترك لابنه قبل موته بزمن قليل وصية لا تسمو فوقها أية فلسفة مسيحية" [ول ديورانت: قصة الحضارة 15/44، 45]

"أثار العدو الأكبر صلاح الدين إعجابا واسع الانتشار بين الغربيين؛ فقد شن الحرب بإنسانية وفروسية، برغم قلة من بادلوه هذه المواقف... ووصل الأمر إلى حد أنه ظهرت في القرن الرابع عشر قصيدة طويلة جرى العرف على تسميتها "صلاح الدين" وأعيدت فيها صياغة حوادث الأساطير القديمة، وذلك لأن فارسا من هذا الطراز الرفيع يجب بالضرورة أن يصبح منتميا إلى الأسرة المسيحية، وهكذا قيل إن أمه هي الكونتيسة بونثيو التي تحطمت سفينتها على الساحل المصري، وأنه هو نفسه اعتنق المسيحية وهو على فراش الموت" [مكسيم رودنسون: الصورة الغربية والدراسات الغربية والإسلامية، منشور في "تراث الإسلام" بإشراف شاخت وبوزوروث، ص41، 42]

***

ونختم بقول المتنبي الذي قد لا يفهمه الطبال المعاصر:

وكن كيف شِئت وقل ما تشاء .. وأرعد يمينا وأبرق شمالا

نجا بك عرضك منجى الذباب .. حمته مقاذيره أن ينالا

لافتات على طريق الثورة





1. أعتبر أن الثورة فشلت ودفنت في اللحظة التي استبعد فيها قضاة الفساد بأمر العسكر مرشحين بعينهم من رئاسة الجمهورية، في تلك اللحظة فرضت إرادة غير الشعب على الشعب.

2. استسلام الإسلاميين لهذا الاستبعاد (الإخوان كان لديهم بديل - حزب النور "ممثل السلفيين السياسي آنذاك" كانوا يرون هذا أفضل للوطن "بنص نادر بكار") معناه قبولهم بسيطرة الإرادة الفوقية غير الشعبية على الخيار الشعبي.

3. القلة التي حاولت مقاومة هذا تم سحقها عند العباسية، في وسط تهليل العلمانيين وفرحتهم، واستسلام الإسلاميين (الإخوان أنهوا فعالياتهم في ميدان التحرير - حزب النور "ممثل السلفيين السياسي" خرج منهم من حرض على المتظاهرين).. وبهذا تم التوافق بين الهيمنة العالمية وممثليها في الداخل (عسكر - قضاء - إعلام) على حدود حركة الشعب واختياراته وثوريته.

4. كنا في لحظة انتخابات رئيس الجمهورية نحاول اختيار الأقل سوءا، لا الأكثر تعبيرا عن الآمال والطموحات.

5. وحين انحصرت المنافسة بين شفيق ومرسي كنا نختار مرسي هروبا من جحيم شفيق لا رغبة في جنة مرسي.

6. وقد نجحنا والحمد لله في الهروب من جحيم شفيق، وما انبعث في نفوسنا من الآمال التي علقناها على مرسي كلها أحبطت ولم يبق من نعمة ننعم بها الآن إلا الهروب من جحيم شفيق (كنا سنكون الآن في السجون أو القبور أو المنافي - أو مقاتلين في الشوارع وكل شيء في العالم ضدنا بما فيهم الإسلاميين المستسلمين)

7. ويجب الآن أن نكون صادقين مع أنفسنا، فإن اندفاعة الشباب وحماستهم غير كافية في موازين القوى، ولأن شباب الثورة فشلوا في صناعة كيان يعبر عنهم فإنهم صاروا لعبة بين القوى الموجودة فعليا؛ فالقوى العلمانية سحبت العلمانيين والقوى الإسلامية سحبت الإسلاميين، وأعيدت صياغة المعسكرات القديمة بوجوه جديدة لا غير.

8. وينطبق هذا حتى الآن على شباب الإسلاميين الساخطين على ما يفعله الكبار، فبغير الكيانات الواعية لن يكون شيء إلا الانحياز لطرف من بين الأطراف القوية أو السكوت والخمول أو الاكتفاء بالنقد والهجوم.

9. فإذا انقضت فترة مرسي طوعا أو كرها، بانتخابات يعد لها منذ الآن أو بانقلاب وفوضى فقد بدأ عصر النار والحديد، ومحاولة إنهاء ما تبقى من آثار الثورة وإعادة السيطرة القديمة كما كانت.

10. فإن لم يكن أحد مستعدا لتلك اللحظة، فليزدد إيمانا بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "ما نزل بلاء إلا بمعصية":

- معصية من أضاع الوقت ولم يعد أو يستعد

- معصية من حمل الأمانة فلم يحملها بحقها

- معصية من خذل إخوانه وكان مُسْتَغْفلا مغرورا يظن أن ما مضى لا يعود