السبت، يونيو 20، 2015

معاني رمضان بأقلام المستشرقين

يشيع في كتابات المستشرقين والمؤرخين الغربيين، المنصفين على وجه الخصوص، نفي ما شاع عن الإسلام من صور شائهة في العقلية الغربية[1]، ومن أبرز عناصر هذه الصورة كونه دينا شهوانيا يجتذب الناس بمداعبة غرائزهم، وهي الشبهة التي تسقط بأيسر نظر وأدنى تعمق، وهذا ما فعله بعضهم على نحو ما سنراه في هذه السطور.

توماس كارلايل: دليل على براءة الإسلام من الميل إلى الشهوات

يقول الفيلسوف البريطاني المعروف في كتابه (الأبطال) في سياق حديثه عن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وتعالميه:

"أي دليل أشهر ببراءة الإسلام من الميل إلى الملاذ من شهر رمضان تلجم فيه الشهوات، وتزجر النفس عن غاياتها، وتقرع عن مآربها؟ وهذا هو منتهى العقل والحزم. فإن مباشرة اللذات ليس بالمنكر. وإنما المنكر هو أن تذل النفس لجبار الشهوات، وتنقاد لحادى الأوطار والرغبات. ولعل أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سلطان، وأن يجعل من لذاته لا سلاسل وأغلالا تعيبه وتعتاص عليه إذا هم أن يصدعها، بل حُلِيًّا وزخارف متى شاء فلا أهون عليه من خلعها، ولا أسهل من نزعها. وكذلك أمر رمضان سواء كان مقصودا من محمد معينًا، أو كان وحي الغريزة وإلهامًا فطريًّا فهو والله نعم الأمر"[2].

جوستاف لوبون: دليل على سلطان الدين على النفوس

ويقول المستشرق الفرنسي وعالم الاجتماع المعروف جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب:

"تأثيرُ دِين محمَّد في النفوس أعظمُ من تأثير أي دِين آخر، ولا تزال العروقُ المختلفة التي اتَّخذت القرآن مُرشدًا لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذُ ثلاثة عشر قرنًا، أجَل قد تجد بين المسلمين عددًا قليلًا من الزنادقة والأخلياء، ولكنَّك لن ترى مَن يجرؤ منهم على انتهاك حُرمة الإسلام في عدمِ الامتثال لتعاليمه الأساسيَّة كالصلاة في المساجد وصوم رمضان الذي يُراعي جميع المسلمين أحكامَه بدقَّة مع ما في هذه الأحكام من صرامة لا تجد مثلها في صوم الأربعين الذي يقوم به بعض النصارى كما شاهدت ذلك في جميع الأقطار الإسلامية التي زرتها في آسيا وإفريقيا... وعلى من يرغب في فهم حقيقة أُمم الشرق التي لم يدركِ الأوروبيُّون أمرَها إلا قليلًا أن يتمثَّل سلطان الدين الكبير على نفوس أبنائها"[3].

توماس أرنولد: دليل ثابت يدحض نظرية كاذبة

ويقول المستشرق البريطاني المعروف توماس أرنولد في خلاصة وختام حديثه عن انتشار الإسلام في كافة أرجاء العالم:

"إن معارف الإسلام التي عرفها الناس على هذا النحو قد تجذب أحيانًا فردا يدخل في الإسلام, كان من الممكن أن ينصرف عنه لو أنه قدم إليه على صورة لا يرغب فيها, باعتبارها هبة حرة. ولا حاجة إلى القول بأن صيام شهر رمضان جزء من دليل ثابت يدحض النظرية القائلة بأن الإسلام نظام ديني يجذب الناس عن طريق مراودتهم في ملذاتهم الشخصية, وكما قيل كارلايل: "إن دينه ليس بالدين السهل: فإنه بما فيه من صوم قاس, وطهارة, وصيغ معقدة صارمة وصلوات خمس كل يوم, وإمساك عن شرب الخمر, لم يفلح في أن يكون دينًا سهلا". ولكن هؤلاء المسلمين يعنون بتلك الفرائض وغيرها من الشعائر الدينية. ولكن من غير أن يثقلوا بها كواهلهم, أو تجعلهم مغمورين في الحياة, نجد أركان العقيدة الإسلامية تلقى دون انقطاع, تعبيرًا ظاهرًا في حياة المؤمن؛ ومن ثم نجدها, بعد أن أصبحت متشابكة مع نظام حياته اليومية تشابكًا لا سبيل إلى الفكاك منه, تجعل المسلم الفرد إمامًا ومعلمًا لعقيدته, أكثر, إلى حد بعيد, مما هي الحال مع أنصار معظم الديانات الأخرى"[4].

جاك ريسلر: لتماسك المؤمنين وتكافلهم

ويقول المستشرق الفرنسي جاك ريسلر، في كتابه "الحضارة العربية" والذي نال عليه جائزة الأكاديمية الفرنسية:

"على امتداد شهر رمضان، من الشفق إلى الغسق، يتوجب على المؤمن الامتناع عن تناول أي مأكل ومشرب. يمكن اعتبار إماتة الجسد القاسية هذه فعل رحمة واسترحام، نوعا من التكفير عن الأخطاء، وبالتالي فعلا تَشَفُّعِيًّا يتقرب به الصائم من ربه، ولكنه يرمي أيضا إلى توطيد الضبط الاجتماعي وجعل المؤمنين يشعرون بتماسكهم وتكافلهم"[5].

آي. م. لويس: يجانس بين الشعوب المختلفة

ويقول المستشرق البريطاني المتخصص في الشأن الإفريقي إيوان ميردين لويس، وهو يستعرض تأثير انتشار الإسلام في الشعوب الإفريقية:

"لقد أدى اعتناق الإسلام، بالإضافة إلى تأثيره على عادات اللباس والنواحي الأخرى للثقافة المادية، وبصورة خاصة على الهندسة المعمارية، إلى إعطاء طابع إسلامي قوي للطقوس الحياتية الأساسية التي يتميز بها مجرى حياة الفرد من المهد إلى اللحد. ذلك لأن هذه الطقوس متشابهة إلى درجة كبيرة لدى الجماعات المسلمة الكائنة في جنوب الصحراء الكبرى، بالرغم من التنويعات المحلية التي تعكس عناصر سابقة للإسلام. وبالطريقة نفسها نجد أن التقويم الإسلامي بطقوسه الشعبية، وخصوصا في رمضان، شهر الصيام، يعطي طابعا متجانسا لتنظيم الحياة في جماعات كانت بينها في الماضي فروق كبيرة"[6].
نشر في نون بوست 



[2] توماس كارليل: الأبطال، ترجمة محمد السباعي، كتاب الهلال، العدد (326)، 1978م. ص81.
[3] جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م. ص417.
[4] توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرون، مكتبة النهضة المصرية، 1980م. ص460.
[5] جاك ريسلر: الحضارة العربية، ترجمة خليل أحمد خليل، عويدات للطباعة والنشر. ص41.
[6] آي. م. لويس: الحدود القصوى للإسلام في إفريقيا وآسيا، ضمن "تراث الإسلام، بإشراف: شاخت وبوزوروث، سلسلة عالم المعرفة - الكويت، 1978م. 1/135.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق