الخميس، أغسطس 18، 2016

ماذا تعرف عن أجداد الخلفاء العباسيين؟

الدولة العباسية، رسميا، هي أطول فترات الخلافة الإسلامية، فقد استمرت ثمانية قرون ليس للمسلمين خليفة شرعي إلا الخليفة العباسي مهما كان ضعيفا أو كانت سلطته شكلية في العديد من العصور.

فمن هم العباسيون، وإلى من يرجع نسبهم؟

للعباسيين نسب عريق في الإسلام، فهم يرجعون إلى:


وهو عمُّ النبي ﷺ، ووُلِد قبله بثلاث سنوات، وكان من سادات قريش، وكان -في الجاهلية- مسئولًا عن سقاية الحجيج وعمارة البيت الحرام في الجاهلية، فكان لا يدع أحدًا يسبُّ في المسجد الحرام ولا يقول فيه هجرًا. وكان العباس طويلًا وجميلًا، أبيض البشرة، جهير الصوت جدًّا، وكان شريفًا كريمًا حليمًا مُهابًا، وكان سيد بني هاشم وأكثرهم مالًا في الجاهلية، فكان يلجأ إليه الجائع فيطعمه والعاري فيَكْسُوَه، وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب.

حضر العباس بيعة العقبة الثانية، ولم يكن قد أسلم وقتها، وتَوَثَّق من قيام الأنصار بمسئولية حماية النبي ﷺ وتمسُّكهم به، وبقي على الشرك حتى هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، ولكنه كان في مكة ملجأ للمستضعفين من المؤمنين ممَّنْ لم يستطيعوا الهجرة، وخرج مُكْرَهًا إلى غزوة بدر في جيش الكفار فَأُسِر، وكان النبي ﷺ قد أمر صحابته ألا يقتلوا العباس إذا لقوه في المعركة لأنه خرج مكرها([1])، ثم افتدى العباس نفسه وابنَ أخيه عقيل بن أبي طالب من الأسر، وعاد إلى مكة.

وهنا يختلف المؤرِّخون حول إسلامه، فبعضهم يقول: أسلم بعد بدر، وظلَّ يكتم إسلامه في مكة، ويكتب بما في مكة من أخبار إلى النبي ﷺ. ومنهم مَنْ يقول: إنه ظلَّ على كفره إلى ما قبل فتح مكة. فمن المؤكد أنه كان مسلمًا في فتح مكة.

وكان العباس بعد إسلامه، أو بالأحرى بعد اشتهار إسلامه، كما كان قبله، حريصًا على النبي ﷺ دافعا الأذى عنه متفانيًا في سبيله، وهو الذي كان يُمسك بخطام بغلة النبي ﷺ في غزوة حنين، وكان المُبَلِّغ عن النبي ﷺ لما تمتَّع به من صوت جهير، فنادى على المسلمين الذين تفرَّقُوا عن النبي ﷺ في حنين؛ فأقبلوا نحو رسول الله وجاهدوا دونه؛ حتى اعتدل ميزان القتال وانتصر المسلمون.

كان النبي ﷺ يُعظِّم العباس ويُجلِّه؛ حتى قالت عائشة: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُجِلُّ أَحَدًا مَا يُجِلُّ الْعَبَّاسَ أَوْ يُكْرِمُ الْعَبَّاسِ([2]).

وكذلك كان صحابته رضوان الله عليهم، وكانوا يُشاورونه، بل رُوِي أن العباس كان إذا مرَّ بعمر بن الخطاب أو بعثمان بن عفان وهما راكبان نزلا حتى يُجاوزهما إجلالًا لعم رسول الله  أن يمشي وهما راكبان([3]).

وفي عام الرمادة (18هـ) خرج عمر بن الخطاب  يتوسَّل إلى الله بالعباس أن يسقيهم، ويقول: «اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا»([4]). فدعا العباس فنزل المطر وسقى الناس، وكان العباس رفيقًا لعمر في ذهابه إلى بيت المقدس؛ حتى كان البطارقة لجماله وهيبته يظنون أنه الخليفة، فكان يُشير إلى عمر.

تُوُفِّيَ العباس في عهد عثمان بن عفان، ودُفن في البقيع، وقد عَمَّر ثمان وثمانين سنة، وهو عُمْرٌ لم يبلغه أحد من ذريته الخلفاء([5]).

ومما ورد في فضل العباس من الأحاديث:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ للعباس: «إِذَا كَانَ غَدَاةَ الاِثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا وَوَلَدَكَ». فغدا وغدونا معه وألبسنا كساء، ثم قال: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لاَ تُغَادِرُ ذَنْبًا، اللهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ»([6]).

وعن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله ﷺ عمر على الصدقة ساعيًا، فمنع ابن جميل، وخالد، والعباس. فقال رسول الله ﷺ: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا». ثم قال (أي لِعُمَر): «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ([7]) أَبِيهِ؟»([8]). وكان النبي ﷺ قد تسلف من العباس زكاة عامين من قبل، فلذلك قال: «فَهِيَ عَلَيَّ».

عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله ﷺ للعباس: «هَذَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفًّا وَأَوْصَلُهَا»([9]).

وقد وردت كثير من الأحاديث الضعيفة في فضل العباس، وضعها الوضاعون تقرُّبًا للخلفاء، وزاد في انتشارها كثرة استعمالها في الدولة العباسية في الخطب والمكاتبات والرسائل والتآليف، التي لم يُرَاعِ فيها أصحابها الصحَّة بقدر ما أرادوا الإكثار في مدح العباسيين والتقرُّب إليهم.

ومن طرائف التاريخ أنه وأبا سفيان بن حرب كانا صديقين أثيرين في الجاهلية، فدارت الأيام حتى جاءت الرسالة فلم يُؤمنا، ثم أسلما قريبًا من بعضهما، ثم ملك أولاد أبي سفيان وأقاموا دولة بني أمية، ثم أزالهم وهدم دولتهم وأسقطهم أولادُ العباس.

كان للعباس تسعة أولاد وثلاث بنات([10])، إلَّا أنَّ واحدًا منهم فاقهم جميعًا في الفضل والمكانة، ذلك هو:


وهو الصحابي الكبير، والإمام العالِم البحر، المعروف بحبر الإسلام وترجمان القرآن.

وُلِد قبل الهجرة بثلاث سنوات؛ وذلك في لحظة عصيبة من تاريخ الإسلام؛ حيث كان المسلمون محاصَرين في الشِّعْب، وظل في مكة مع أبيه العباس حتى سنة الفتح، التي أسلم فيها أبوه وانتقل إلى المدينة، ورُوي عنه أنه أسلم هو وأمُّه قبل أبيه، غير أنهما لم يستطيعا الهجرة.

وبهذا يكون ابن عباس قد صَحِب النبي ﷺ مدة ثلاثين شهرًا تقريبًا([11])، وقد فاز فيها بدعاء النبي ﷺ له «اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ»، و«اللهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ»([12])، و«اللهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ وَفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»([13]).

وقد انتبه ابن عباس لأهمِّيَّة جمع السنة بعد وفاة النبي ﷺ؛ فطفق يجمع السنة، ويسأل عن الأحاديث، ويذهب إلى مَنْ كان قد سمع الحديث؛ حتى اجتمع له من العلم ما جعله من كبار علماء الصحابة؛ على الرغم من صغر سنِّه بينهم، وهذا مع الذكاء والفهم والقدرة على الاستيعاب والاستنباط ما جعله جليسًا في مجلس عمر بن الخطاب مع كبار الصحابة -وهو في عُمر أبنائهم- حتى كان عمر إذا سُئِل في ذلك قال: «ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول». وكان يستشيره في القضايا المعضلة مع الفارق الكبير في السنِّ والصحبة([14])، وسُئِل ابن عمر في مسألة فقال للسائل: «سل ابن عباس؛ فإنه أعلم مَنْ بقي بما أنزل الله على محمد». وكثيرًا ما أثنى الصحابة على ابن عباس ثناء كبيرًا وكثيرًا.

ولَقَّبَه ملك المغرب جرجير بـ«حبر العرب»؛ حين كان مجاهدًا تحت قيادة عبد الله بن سعد بن أبي السرح في فتحه للشمال الإفريقي..

وكان قريبًا عزيزًا على قلب عثمان بن عفان، يشفع ويتوسَّط فيما لا يستطيعه كثير من الصحابة، وكلفه عثمان بإمارة الحج في السنة التي استشهد فيها، وكان من المقربين إلى علي فكان واليًا له على البصرة، وكان قائد الميسرة في جيشه يوم صفين، وكان سفيره إلى الخوارج حين غالوا واشتطوا في أفكارهم، فذهب إليهم فحاورهم وأقنعهم؛ حتى رجع ثلثاهم إلى علي، وهي محاورة مشهورة تدلُّ على ما تميز به ابن عباس من علم وفقه وحكمة في التعامل مع الناس.

ولما قُتِل علي ترك ابن عباس العراق واستقرَّ في الحجاز، ثم لما تنازع عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان على الخلافة، وكانت مكة في سلطان ابن الزبير وأراد أن يحمله على البيعة له رفضها، وخرج إلى الطائف، واستقرَّ بها إلى أن مات رحمه الله.

ولقد كانت مواقف ابن عباس السياسية من أظهر الأدلة على عقله وحكمته؛ فإنه عارض الحسين بن علي في خروجه واطمئنانه لأهل الكوفة، ونصحه ألا يذهب إليهم ما داموا خاضعين لواليهم من قبل يزيد، وأطال في نصح الحسين، بل توقع أنه مقتول وقال له: «إني لأظنك ستُقْتَل غدًا بين نسائك وبناتك كما قُتِل عثمان، وإني لأخاف أن تكون الذي يُقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون». إلَّا أنَّ الحسين لم يسمع له ومضى إلى الكوفة فكان ما كان.

وكذلك عارض ابنُ عباس عبدَ الله بن الزبير في قيامه بالخلافة؛ على الرغم من أن قراءة المشهد السياسي كانت تقول بأن ابن الزبير كان أفضل حالًا وأقوى موقفًا؛ فإن الأيام كشفت كم كان ابن عباس بصيرًا ببواطن الأمور وصحيح التقدير لموازين القوى في وقته.

وكان أبيض طويلًا مشربًا صفرة، جسيمًا وسيمًا، صبيح الوجه وافر الشعر، ومات في عام 68هـ وعمره واحد وسبعون سنة، وله خمسة أولاد وبنتان([15])، مات بالطائف بعد أن ترك مكة حين كانت في سلطة عبد الله بن الزبير، وابتُلي قبل موته بذهاب بصره.

وكان -رحمه الله- من أعلام الزهد والورع والخشية من الله، كان يُرى على خديه أثر البكاء مثل الشراك البالي([16]).
كانت شخصية ابن عباس من الشخصيات النادرة؛ التي اجتمع فيها العلم الغزير مع الحكمة والفطنة والبصر بالواقع وطبائع الناس ومسارات السياسة، مع الزهد والورع والخشية، ولا شَكَّ أن كثيرًا من هذه المزايا استطاع أن ينقلها إلى أولاده، الذين كان أهمُّهم -في موضوعنا هذا- ولده الأصغر: علي بن عبد الله بن العباس، وهو ما سنعرض لسيرته إن شاء الله في المقال القادم.

نشر في ساسة بوست




([1]) الحاكم (4988)، وقال الذهبي: صحيح على شرط مسلم.
([2]) أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 2/92، وقال: «إسناده صالح».
([3]) ابن عساكر: تاريخ دمشق 26/354، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/93.
([4]) البخاري (964).
([5]) انظر: ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/506 وما بعدها، وابن الأثير: أسد الغابة 3/163 وما بعدها، والذهبي: سير أعلام النبلاء 1/78 وما بعدها، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 3/631.
([6]) الترمذي (3762)، والبزار (5213)، وقال الذهبي (سير أعلام النبلاء 2/89): إسناده جيد، وحسنه الألباني في التعليق على الترمذي.
([7]) صِنْو أبيه: أي مثله ونظيره، يقال لنخلتين طلعتا من عرق واحد.
([8]) البخاري (1468)، ومسلم (983)، واللفظ لمسلم.
([9]) أحمد (1610)، والنسائي (8174)، وابن حبان (7052)، والحاكم (5420)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3326)، وحسنه شعيب الأرنؤوط في التعليق على أحمد وابن حبان.
([10]) وهم: الفضل -وهو أكبر ولده- وعبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد، وحبيبة، وأمهم أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن. وكثير، وتمام، وصفية، وأميمة، وأمهم أم ولد، والحارث، وأمه حجيلة بنت جندب. ابن الجوزي: صفة الصفوة 1/506، 507.
([11]) فُتحت مكة في رمضان عام 8 هـ، وتوفي النبي في ربيع الأول عام 11 هـ، فبهذا تكون صحبته أكثر قليلاً من 30 شهرًا.
([12]) البخاري (75)، (3546).
([13]) أحمد (2397)، والحاكم (6280)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن حبان (7055) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2589).
([14]) كان عمر بن الخطاب أكبر من ابن عباس بستة وثلاثين عامًا، وزاد في صحبته للنبي بستة عشر عامًا عن ابن عباس.
([15]) أولاده من الذكور: العباس والفضل ومحمد وعبيد الله وعليّ، ومن الإناث: لبابة وأسماء. الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/333.
([16]) ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/933 وما بعدها، وابن الأثير: أسد الغابة 3/295 وما بعدها، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3/331 وما بعدها، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/141 وما بعدها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق