الخميس، يونيو 30، 2016

مم ينبغي أن نحذر في دراسة الحضارة الغربية

لا يزال الحديث موصولا عن المحاذير التي تعرض لنا إذا بدأنا دراسة الحضارة الغربية، وقد ذكرنا أنها خمسة:

(1)            الاختلاف الثقافي المانع من الفهم والاستيعاب، وذلك أن الحاجز الثقافي بيننا وبين الحضارة الغربية سيمنعنا من فهمها واستيعابها على وجهها، وهذا الأمر أكثر من يطرحه العلمانيون وقليل منهم الإسلاميون.
(2)             الخلط بينالعام والخاص المانع من التعلم والاستفادة، ذلك أن النظر السطحي المتعجل قد يجعل من العام خاصا بهم أو من الخاص بهم عاما ينبغي لنا أن نستفيد منه، ومتى حصل الخلط جاء معه بالتشوش والغبش في الرؤية وفي التعلم والاستفادة.
(3)             والعداء المانعمن العدل والإنصاف، إذ يحسب الكثيرون أنه لن يمكن لنا فهم الغرب ولا يمكن للغرب فهمنا طالما العلاقة بيننا علاقة صراع ومعارك، فهذه البيئة تذهب بالإنصاف وتثمر التطرف والرفض.
(4)             والتفوق الغربي المانع من تبَيُّن العمق والخلل، فمتى نظر المغلوب إلى الغالب لم يستطع أن يتبين مكامن الخلل في نموذجه الحضاري، ومن ثم استحال عليه معرفتها أو التعلم منها.
(5)             والتنازل المانع من الثبات والرسوخ، وذلك من أثر تأثر المغلوب بالغالب، إذ يسعى للاندماج والذوبان في الحضارة الغالبة، فيضر هذا بما لدينا من اعتزاز حضاري بديننا وحضارتنا وثقافتنا.
وقد تناولنا الثلاثة الأولى، وبقي أن نتناول الرابع والخامس في هذه السطور القادمة:

4. الهيمنة الثقافية الغربية

قال ابن خلدون: "فصل في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب"[1].

ليس من أحد يستطيع تجنب سطوة أفكار المنتصرين، والتي هي السبب الأول في التغرب، ولا ريب في أن الغوص في بطون أفكار مغايرة وطول ممارستها وإلفها يؤدي إلى تلبس بها، وهذا الإمام الكبير حجة الإسلام الغزالي يقول عنه تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي: "شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر"[2]، وللإمام الذهبي كلمة بديعة بليغة في وصف سطوة الأفكار وهيمنتها على الناس حتى عقلائهم، يقول: "وخلف معاوية خلقٌ كثير يحبُّونه ويتغالون فيه، ويُفَضِّلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإمَّا قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشئوا على النصب -نعوذ بالله من الهوى-، كما قد نشأ جيش علي رضي الله عنه ورعيته -إلا الخوارج منهم- على حبه، والقيام معه، وبغض مَنْ بغى عليه، والتبرِّي منهم، وغلا خلق منهم في التشيع. فبالله كيف يكون حال مَن نشأ في إقليم، لا يكاد يُشاهد فيه إلا غاليا في الحب، مفرطا في البغض، ومَن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا، واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، وقلنا كما علَّمنا الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]. وترضينا أيضًا عمن اعتزل الفريقين، كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعيد بن زيد، وخلقٌ، وتبرَّأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليا، وكفروا الفريقين"[3].

ونحن نقع منذ عصر الاستعمار تحت هيمنة ثقافية غربية، يزيد من ثقلها تلك النخب التي تغربت ثم استولت على منافذ النشر والتوجيه، ويدعم كل ذلك هذه الفجوة المتزايدة بيننا وبين الغرب.

وقد ترتب على هذا عدد من الآثار، أبرزها هذه الثلاثة:

§         قراءة الفكر الغربي كمُطْلَق:

وذلك أنك تجد "الفكر الغربي لا تتم قراءته بمنظور تاريخاني يكشف البعد الذاتي, بل تتم قراءته بنيويا باعتباره مجرد نسق ثقافي نقي متعالٍ, ومعزول عن الخلفيات والدوافع البشرية والسياسية والعنصرية, فيُصَوَّر باعتباره مجرد فلسفة تستهدف الاستنارة والسلام الإنساني وسعادة البشرية"[4]، فمثلا: كم ممن يدرسون فرويد ونظريته حاول التعمق في السياق الذي أنتجها؟! كم منهم يعرف "أن الجماعة اليهودية التي كان فرويد ينتمي إليها كانت تتسم بقدر عال من التحلل الخُلقي والاجتماعي. فيهود فيينا كانوا أساسا من يهود اليديشية الذين دخلوا مرحلة الانحلال الاجتماعي والثقافي بعد تَعرُّضهم لعمليات العلمنة الشرسة والجذرية التي قامت بها الحكومات المطلقة (في روسيا وألمانيا والإمبراطورية النمساوية/ المجرية) وبعد دخول اليهودية الحاخامية مرحلة الأزمة، وبعد هيمنة المنظومة القبَّالية الحلولية، فتحولوا من جماعة متماسكة إثنيا ودينيا إلى جماعة مُفكَّكة. فكانت عند يهود المجر واحدة من أعلى نسب الأطفال غير الشرعيين، أما الجماعة اليهودية في جاليشيا (التي أتى منها والدا فرويد) فكانت تُعد من أكبر مصادر البغايا في العالم كما سادت فيها أكبر نسبة تكاثر بين اليهود (ولذا كان يُقال لها باللاتينية «فاجينا جودايوروم» أي «فرج اليهود»)"[5].

§         ما تكرر تقرر

وقد كانت الحضارة الغربية صاحبة أعلى نصيب من التكرار الذي رسخ بعدئذ حتى صارت كثير من الأمور وكأنها قد حُسِمت ولا جدال حولها، بل إن هذا التكرار كان أحد الأسباب التي صدرت عنها أخطاء الاستشراق، إذ إن الصورة الذهنية المسبقة كانت هي الحاكمة على الأبحاث الاستشراقية، وهو الموضوع الذي أفاض في تفصيله إدوارد سعيد في كتابه الشهير "الاستشراق"، وصكَّ لهذه العملية تعبيره الشهير "إضفاء الصفات الشرقية على الشرقي"، وذلك أنه "حين كان المستشرق المتبحر في العلم يتنقل في البلد الذي تخصص فيه، لم تكن تفارق ذهنه مطلقا تلك الأقوال المأثورة المجردة التي لا تتزعزع عن الحضارة التي درسها، ونادرا ما كان المستشرقون يهتمون بشيء سوى إثبات صحة تلك "الحقائق" البالية بتطبيقها، دون توفيق كبير، على أبناء البلد الذين لا يفهمونها فيُتَّهمون بالانحطاط"[6].

وإذا صحَّ هذا في حال مستشرقين لم تكن عليهم من الهيمنة إلا آراء أساتذتهم وتخيلاتهم هم للموضوع، فكيف يكون الحال في باحث ينطلق لدراسة الغرب وهو محمل بإرث غربي عمره نحو قرنين من الزمان، وفي ظل تفوق هائل لهذا الغرب، وتحت تأثير آلة إعلامية جبارة تشمل حتى ذلك الإعلام الناطق بلسان العرب؟!.. إنه لإرث ثقيل ثقيل!

§         مشكلة: الغرب مبدع والإبداع غربي

ولها ثلاث شعب كما صاغها حسن حنفي:

الأول: في حالة حدوث الإبداع فإنه يُحال إلى الثقافة الغربية وكأنه مصدره الأول، ليس فقط في الشكل بل أيضا في المضمون، فالإبداع أيضا لا يتم إلا في إطار التبعية، وبالتالي يتحول الكل الإبداعي عند جميع الشعوب اللا أوروبية إلى الجزء الإبداعي الأوروبي ويلحق به بدعوى أن الكل الإبداعي قد تم في المركز وأن الأجزاء الإبداعية في الأطراف كلها تنبع من المركز كي تعود إليه وتصب فيه.

والثاني: إذا ما توقف الإبداع كلية فإن ذلك يُعزى إلى فقر الاطلاع على آخر الإبداعات الغربية، فلا إبداع بلا تعرف على مواطن الإبداع، وكأنه لا إبداع في كلتا الحالتين. إذا أبدع المبدع اللا أوروبي شيئا فإنه يُحال إلى مثيله في الغرب، وإن لم يبدع مثله فإن السبب يكون عدم معرفته بالإبداعات المماثلة في الغرب، وبالتالي ارتبطت الأطراف بالمركز إلى الأبد إيجابا أم سلبا، وجودا أو عدما، حياة أو موتا.

والثالث: وإذا ما أبدع المبدع في بداية نهضته فإن إبداعه يحال باستمرار إلى إبداع مماثل في الغرب المبدع منذ العصور الحديثة وعلى أكثر من خمسمائة عام، وبالتالي يكون الغرب أسبق باستمرار في وضع المناهج العقلانية والتجريبية والتحليلية والبنيوية والوصفية. أما كيف تكونت هذه الإبداعات في الغرب وما مصادرها من خارج الغرب فذاك يضرب حوله مؤامرات الصمت. فإبداعات الأطراف الآن تحال إلى إبداعات المركز السابقة عليها، أما إبداعات المركز فلا تحال إلى إبداعات مراكز أخرى سابقة خارج الوعي الأوروبي وهو في بداية تكوينه عندما كان يمثل أطرافا لها[7].

هذه الآثار الثلاثة للهيمنة الثقافية الغربية، والتي نحسب أنها جماع الموضوع، تمثل أعباء ثقيلة على عقلية الباحث ونفسيته، ولسنا نرى حلا لهذه المعضلة الكبرى إلا ما ذكرناه من ضرورة المنطلق الإسلامي والاعتزاز بالإسلام، فذلك ما يسمح بالوقوف على أرضية صلبة ويعطي الباحث القدرة على الرؤية الفاحصة من خارج الموضوع لا الانغماس المسبب للذهول والغرق فيه انبهارا أو تيها! وذلك المعنى هو ما يسميه المسيري "الاحتفاظ بمسافة بيني وبين الأحداث"[8].

إنه بسبب من هذا "العبء الثقافي" كان ربنا تبارك وتعالى يرسل الرسل إلى الناس، لأن ذلك الاتصال بالسماء يمنع من الوقوع في أسر العبء الثقافي للأقوام الذين ضلوا، وليس بالإمكان الصمود في ظل هذه الهيمنة الثقافية بغير مدد من الله تعالى، ولهذا -عامةً- يفشل المصلحون وينجح الرسل! ولقد صرح القرآن الكريم بهذا المعنى لخير الناس: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]، وهي آية تجعل الإنسان يشعر بضخامة الموضوع وخطورته، فمن ذا الذي يمتلك من المواهب ما كان لرسول الله r؟! ولمثل هذا حفظ الله تعالى الذكر الخاتم للعالمين ليظل معين السماء حاضرا فيمنع الناس عن الضلال كما قال r: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه"[9].

5. التنازلات

وهذه من آثار هذا "العبء الثقافي"، فإن أكثر محاولات الدفاع عن الإسلام، وكل محاولات تقريب الإسلام من الحضارة الغربية، هو من ناتج هذا العبء الثقافي، فيما الواجب على المسلم أن يفتش عن مراد الله وأن يدعو الناس إليه، لا أن يقرب مراد الله إلى مراد الناس، فيكون بهذا كمن يدعو الله إلى الناس (أستغفر الله!) لا أن يدعو الناس إلى الله.

وهنا مزلة كبرى وقع فيها كثيرون، فمنهم من كان صريحا كالطبقة الأولى من المتغربين، ومنهم من كان أقل صراحة وحِدَّة كأصحاب مناهج البنيوية والتاريخانية والتأويل والتفكيك للنص والتراث، ومنهم -وهؤلاء هم موضوعنا الآن- من رفعوا لافتة علم المقاصد فأهدروا به الكم الهائل من النصوص التفصيلية التي مقامها أن تضبط المقصد فتُفهم المقاصد في ضوئها لا أن تسيطر "الرغبة" على المقصد فيُستعمل ذلك ذريعة لإهدار النصوص.

إن التأسيس الشرعي القوي للمستغرب أولى أن يؤهله لفهم وهضم المخالف، إذ الوقوف على الثوابت والمعرفة بالشريعة أدعى لأن تحكم حركة استجابته لطوفان الفكر الغربي الذي سيخوضه، وإن التزام اللوازم واطراد الأصول شيء لا ينجو منه صاحب فكر، فيجب أن يكون من مكانه على بينة! وإن محاولة تطويع الإسلام والتماس الآراء الشاذة والضعيفة إنما تؤول إلى تذويب وتمييع الثوابت.

ومما يدخل في هذا الباب تقديم الحرص وحب الخير حتى يُهدر الولاء والبراء، وكذلك تقديم قيمة التفوق التقني حتى تُهدر قيمة ما يُستعمل فيه من خير أو شر.

ويدخل في هذا الباب أيضا أن يبدأ البعض -تحت شعار الاستغراب ودراسة الآخر- في التخصص فيما هو محرم مثل فنون الرقص أو الإباحيات ونحوها مما هو في الحقيقة غير مفيد، كما أنه من ثمرات ومظاهر الباطل بينما ينبغي على العلم أن يبحث في الأصول الكبرى والجذور وبواطن الأمور، كما أن تجليات هذه الأصول فيما سوى باب المحرم لذاته كثيرة.

نشر في ساسة بوست 



[1] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/184.
[2] ابن تيمية: درء التعارض بين العقل والنقل 1/5.
[3] الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/128.
[4] إبراهيم السكران: مآلات الخطاب المدني ص58.
[5] د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية 3/442.
[6] إدوارد سعيد: الاستشراق ص114.
[7] د. حسن حنفي: مقدمة في علم الاستغراب ص47.
[8] د. عبد الوهاب المسيري: رحلتي الفكرية ص76. (ط قصور الثقافة).
[9] مالك في الموطأ (1594)، والبيهقي: السنن الكبرى والحاكم (319)، وصححه الألباني (صحيح الجامع: 5248).

السبت، يونيو 25، 2016

معركة رمضان بين الأمة المسلمة والسلطة العلمانية

ليس التناقض بين الإسلام والعلمانية يسيرا ولا هو مما يمكن تجاوزه، ذلك أن نظام الإسلام متناقض في كل باب مع نظام العلمانية، ولربما استطاع العلماني أن يزوِّر معنى العلمانية فيسوق لها باعتبارها "حيادا ووقوفا على مسافة واحدة بين الأديان"، مثلما يحاول "مسلم متعلمن" أن يُزَوِّر معنى الإسلام فيدعي أنه لا يتناقض مع الحداثة ومتطلبات الدولة الحديثة! إلا أن محاولات التزوير هذه لن تصمد إلا قليلا، إذ قضايا الواقع ستحمل كلا منهما على رأي فيه تنازل عن الإسلام أو تنازل عن العلمانية!

هذا شهر رمضان.. مثال على قضية واقعية عظيمة تمثل مساحة للمعركة الإسلامية العلمانية.

(1) معركة الفتوى والنظام

أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى ترفض اعتبار المجاهرة بالإفطار في رمضان حرية شخصية بل تجعل ذلك من الاعتداء على قدسية الدين، وهو مما يستوجب المحاسبة والمعاقبة.

فجرت الفتوى جدلا كبيرا، إذ اعتبرها البعض –لا سيما من غير المسلمين ومن العلمانيين- دعوة للتحريض على المُفطرين في نهار رمضان، وكان أهم ما وُجِّه للفتوى من انتقادات أنها مصادرة على الحرية الشخصية، إذ الدين علاقة بين الإنسان وربه ليس للسلطة أن تتدخل فيها، ومن ثم فمن حق كل فرد أن يفطر أو يجاهر بالإفطار، وأنه إذا لم يفعل فإنما يكون هذا من باب الذوق والمجاملة للصائمين لا أكثر.

هكذا إذن اصطدم نظام الإسلام بنظام العلمانية، وليس ثمة حل لفض هذا الاشتباك إلا بالميل نحو أحد الأمرين: إما أن نحذف من الإسلام أي إدانة أو عقوبة للمجاهرة بالإفطار، وإما أن تتخلى السلطة "العلمانية" عن حيادها بين الأديان لتقترب من الإسلام وتعاقب من ينتهك حرماته، وإن كان ذلك بتصرف –هو في الثقافة العلمانية- شديد الخصوصية ويمثل التزاما تعبديا كاختيار الصوم أو الإفطار في رمضان!

تبدو الأزمة أمام السلطة معقدة، بل هي على الحقيقة مستحيلة، ذلك أن الإسلام محفوظ في نص معصوم خالد، محفوظ في الصدور والسطور، لا يمكن لأحد تغييره أو تبديله أو تحريفه، ثم إن العلماء الموكلين بفهم النص وتفسيره ليسوا تنظيما هرميا ولا هم مندرجون في مراتب كهنوتية، بل هم تيار واسع ممتد، ولذلك لا يملك أحدهم –على غرار المسيحية- أن يحرم ما كان بالأمس حلالا أو يحرم ما كان بالأمس حراما، ولا قيمة لشيخ الأزهر ولا لمفتي الجمهورية ولا لأي رتبة علمية في نظام إداري، إن هذا لا يعطيهم حصانة من الانحراف ولا هو يسمح لهم بالإتيان بشيء جديد فيه مخالفة للنصوص الثابتة من القرآن والسنة وإجماع جماهير العلماء عبر خمسة عشر قرنا!

كذلك فإن الإسلام قد أقام دولة استمرت لأكثر من ألف سنة، ونموذجها المثالي استمر لأربعين سنة (العهد النبوي في المدينة + الخلافة الراشدة)، مما يعني أن مسألة سياسة الدولة وعلاقتها تجاه الأحكام الدينية مسطورة ومكتوبة ومبحوثة فقيها في مئات الآلاف من الكتب، فهي ليست نازلة جديدة تحتاج فتوى جديدة يمكن الدخول منها إلى تغيير علاقة السلطة بالدين أو إعادة تعريف لمساحة ونفوذ كل منهما!

إن معركة الفتوى والنظام تمثل مشهدا ملفتا للنظر، فبقدر ما تبدو السلطة العلمانية متغولة بالإمكانيات قاهرة بالقوة، بقدر ما تبدو بائسة قليلة الحيلة أمام إدخال العلمانية إلى صميم حياة الناس، وهي إذا عجزت عن هذا فإنها في الوقت نفسه مهددة بأن يتمدد أثر الإسلام العميق في حياة الناس إلى مساحتها التي اغتصبتها بالقوة والقهر.

لذلك لن تجد أبدا في بلادنا علاقة سوية ومفهومة بين مؤسسة الفتوى والنظام، بل هي كما يصف الله تعالى المنافقين {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 143]

(2) معركة إنتاج الثقافة

للسلطة منذ القدم أثرها الواضح في إنتاج الثقافة وترويج الأفكار، حتى قيل "الناس على دين ملوكهم"، وقيل "إذا تغير السلطان تغير الزمان"، وقيل "التاريخ يكتبه المنتصرون"... إلى آخره!

أما في العصور الحديثة فقد اختلف الأمر كثيرا، لقد أصبحت السلطة وحشا أسطوريا رهيبا بما وفرته له التطورات التقنية الحديثة من وسائل، فصارت السلطة تمتلك وسائل إنتاج الثقافة والأفكار وتسيطر عليها، وذلك منذ ظهرت المطبعة، ثم الإذاعة والتليفزيون. لقد تحكمت الدولة المركزية في سائر الأنشطة التي تجري فيها، بدءا من الإعلام والتعليم وحتى التصاريح بالخطابة أو بإلقاء الدروس في المساجد!

وهكذا لم يقتصر الأمر على ما أتيح للسلطة من وسائل ترويج ضخمة لأفكارها وثقافتها، بل لم يعد بالإمكان تقديم أفكار أصلا إلا بإذن من السلطة!

يعدُّ رمضان مثالا على هذه الحالة أيضا، حالة التنازع بين الأمة المسلمة والسلطة العلمانية في بلادنا، ففيما قبل عصر الدولة المركزية كانت ملامح رمضان ترسمها الأمة أساسا، ثم صارت ملامح رمضان ترسمها السلطة!

قبل عصر الدولة المركزية كانت الأمة تحيي رمضان بالعديد من التقاليد الخاصة التي تكثر فيها خطب العلماء ودروسهم وقراءة القرآن في المساجد أو الساحات أو فعاليات الإفطار الجماعي وتقديم العون للمحتاجين وتوزيع الأموال والصدقات وإدخال السرور على الأطفال، فإذا حلَّ الليل تحولت بيوت العائلات الكبيرة إلى مجالس يُقرأ فيها القرآن وتُنْشد فيها المدائح النبوية، وكان الأغنياء يوقفون من أراضيهم وأملاكهم على هذه المجالس كي تستمر بعد وفاتهم، ولذا استمرت المجالس بما يُنفق عليها من ريع هذه الأوقاف إلى وقت قريب!

ما إن دخلت الإذاعة والتلفاز إلى البيوت حتى انتزعت السلطة مساحة رمضان من الأمة، وصارت صناعة رمضان بيد السلطة التي صنعت تقاليد جديدة: الفوازير وألف ليلة وليلة والمسلسلات الدرامية والمسابقات الرمضانية وأنماط من البرامج المثيرة: الكاميرا الخفية وبرامج الاعترافات وبرامج الربح السهل للأموال... إلخ!

وبهذا صار رمضان في وجدان الأجداد وأجدادهم غير رمضان في وجدان هذا الجيل تماما، بل صار مناقضا له.. فهذا رمضان كل شعائره اقتراب من الله، وهذا رمضان كل شعائره ابتعاد عن الله واقتراب من التغريب والانحلال!

وهكذا يثبت رمضان –كمثال- أن العلمانية لا يمكن لها على الحقيقة أن تكون مجرد "حياد بين الأديان أو وقوف على مسافة واحدة منها"، بل هي فكرة وثقافة ورؤية وتصور كوني، وهي تعمل على إنتاج ونشر وترويج هذه الثقافة من خلال وسائل الإعلام ونظام التعليم وسائر منافذ التأثير في المجال العام.

ليست السلطة العلمانية محايدة إذن، ولا يمكنها أن تكون.. إنما هي صاحبة موقف لأنها صاحبة رؤية وتوجه، وهذا التوجه إما أن يكون إسلاميا منسجما مع الأمة وإما أن يكون ضد الأمة، وفي الحالتيْن: لن يكون للعلمانية معنى!

الخلاصة

لذلك لم تفرض العلمانية في البلاد الإسلامية إلا بعنف السلطة وقهرها وبعد كمٍّ هائل من المذابح، فإما كان هذا بيد الاحتلال الأجنبي، أو كان بيد ممثليه في بلادنا كمحمد علي في مصر وأتاتورك في تركيا. ولذلك أيضا لم يُسمح في بلادنا بسلطة حقيقة معبرة عن الشعب، إذ ما إن يُطرح اختبار السلطة في البلاد الإسلامية إلا ويصعد الإسلاميون، فتأتيهم الانقلابات العسكرية المدعومة بالقوى الإقليمية والخارجية!


ولذلك أيضا لن يمكن تغيير هذه الأحوال إلا بثورة وكفاح، ليس فقط لأن كافة الطرق قد جُرِّبت ولم تفلح، بل لأن المعركة لا يمكن تجاوزها ولا نسيانها، السلطة العلمانية لا بد لها أن تهيمن على مساحات هي من صميم الإسلام، والإسلام متغلغل في أدق الأمور الشخصية وفي أوسع القضايا الكبرى، لذلك تبحث السلطة العلمانية بإصرار في تغيير هذا الدين بعناوين مثل "التجديد" و"إصلاح الخطاب الديني" والبحث عن النسخة "الوسطية المعتدلة" من الإسلام، وهي لا تبحث في تنفيذ هذا بمجرد الحوار والإقناع بل بسلطة النفوذ والتأثير وبسوط السجون والمعتقلات كذلك.. إنها في الحقيقة الصورة التي أخبرنا الله تعالى عنها منذ قديم في آية من كتابه، آية يغفل عنها البعض، ويريد البعض الآخر أن يتجنبها، قال تعالى {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]

الخميس، يونيو 23، 2016

هل ينبغي لنا أن نخشى من دراسة الحضارة الغربية؟

لا أحسب أحدا يجادل في أهمية دراسة الغرب وحضارته ونظمه لما لذلك من أهمية كبرى في العديد من المجالات: العلمية، الدعوية، التعاونية، وحتى المواجهة في المعركة!

وقد ذكرنا في مقال سابق كيف ينبغي أنتبدأ دراسة الحضارة، إلا أن كثيرا من الناس يتعاملون بالخوف والخشية مع هذا الموضوع، ويضعون بعض المحاذير التي تعترض طريق دراسة الحضارة الغربية، وقد جمعناها فوجدناها تنحصر في خمسة أمور:

(1)             الاختلاف الثقافي المانع من الفهم والاستيعاب، وذلك أن الحاجز الثقافي بيننا وبين الحضارة الغربية سيمنعنا من فهمها واستيعابها على وجهها، وهذا الأمر أكثر من يطرحه العلمانيون وقليل منهم الإسلاميون.
(2)             الخلط بين العام والخاص المانع من التعلم والاستفادة، ذلك أن النظر السطحي المتعجل قد يجعل من العام خاصا بهم أو من الخاص بهم عاما ينبغي لنا أن نستفيد منه، ومتى حصل الخلط جاء معه بالتشوش والغبش في الرؤية وفي التعلم والاستفادة.
(3)             والعداء المانع من العدل والإنصاف، إذ يحسب الكثيرون أنه لن يمكن لنا فهم الغرب ولا يمكن للغرب فهمنا طالما العلاقة بيننا علاقة صراع ومعارك، فهذه البيئة تذهب بالإنصاف وتثمر التطرف والرفض.
(4)             والتفوق الغربي المانع من تبَيُّن العمق والخلل، فمتى نظر المغلوب إلى الغالب لم يستطع أن يتبين مكامن الخلل في نموذجه الحضاري، ومن ثم استحال عليه معرفتها أو التعلم منها.
(5)             والتنازل المانع من الثبات والرسوخ، وذلك من أثر تأثر المغلوب بالغالب، إذ يسعى للاندماج والذوبان في الحضارة الغالبة، فيضر هذا بما لدينا من اعتزاز حضاري بديننا وحضارتنا وثقافتنا.
وقد تحدثنا في المقال السابق عن المحذور الأول، وطرحنا السؤال: هل عجز المستشرقون عن فهمنا؟ وهل نعجز نحن عن فهم الغرب؟

وفي هذه السطور نناقش المحذور الثاني والثالث.. ونؤجل الرابع والخامس إلى المقالات القادمة إن شاء الله تعالى، فالله المستعان.

2. الخصوصية والعمومية

بقدر ما بين البشر من الاتفاق في الخلق والفطرة والطباع، بقدر ما بينهم من الاختلاف في أمور كثيرة، ومما هو بديهي أن الحضارات هي صورة للبشر، فما بينها من الاتفاق هو كما بينها من الاختلاف. وهذا الاختلاف منه ما هو بأصل الخلقة والبيئة والتكوين تتجلى فيه إرادة الله الشرعية والكونية معا كما في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]، ومنه ما هو بالضلال والانحراف وفِعْل الشياطين كما في قول نبينا r: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه"[1]، وقوله r فيما ينقله عن ربنا: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم"[2].

وفي موضوعنا هذا، فلا ريب أن الحضارة الغربية مزيج "من السليم والسقيم، ومن الصواب والخطأ في النتائج والأحكام، ومن البديهيات في العلم التي لا تقبل الجدال والشك ومن التخمينات في الآراء والدعاوى التي تقبل المناقشة الطويلة والجدال الكثير، ومما هو خميرة من الاختبارات والبحوث الطويلة ومما هو فجٌّ لا يزال في دور التجربة والاختبار والنشوء والارتقاء، ومما لا يختص بإقليم أو عنصر من علوم تطبيقية، وبالعكس مما تجلت فيه الطبيعة الأوروبية، وأثرت فيه البيئة الغربية، وولدته حوادث تاريخية خاصة اكتوت بنارها هذه الأمم، ومما له صلة قوية عميقة بالدين والعقائد، ومما لا صلة له بالدين مطلقا، وذلك الذي زاد في تعقد هذه المشكلة وخطورتها، وأحرج مركز العالم الإسلامي، وكان فيه بلاء ومحنة لذكاء قادته وزعمائه وأصحاب التوجيه فيه"[3].

وليس أجدر أن يقوم بهذا التفريق بين العام والخاص، بين ما يمكن الاستفادة منه وما لا يمكن استنساخه، بين ما يناسبنا وما لا يناسبنا.. ليس أجدر أن يقوم بهذا التفريق من المستغربين، مثلما أن أسوأ من يقوم بهذا التفريق هم المتغربون، والفارق بينهما هو الفارق بين الدارس الفاحص وبين المنبهر الذاهل، إلا أن هذا التصنيف العام قد يتداخل في التفاصيل والجزئيات.

يرى حسن حنفي أن "الثقافة واحدة إذا ما تشابهت الظروف في مجتمعين مختلفين"[4]، وهو ما نخالفه فيه ونرى أن الاستجابات للتحديات المتشابهة لا تكون بالضرورة متشابهة، خصوصا إذا اختلفت الأصول والمنابع الثقافية، ولكن يمكن أن نتخذ من "تشابه أو اختلاف الاستجابات في الظروف المتشابهة" مقياسا نحدد به ما هو إنساني عام مشترك بين الحضارات، وما هو خاص تنفرد به حضارة عن أخرى أو مجموعة حضارية عن باقي الحضارات الأخرى.. ونحن نقول هذا مع إدراكنا أنه أمر يدخله التقدير والاجتهاد إذ الحوادث لا تتكرر بحذافيرها، مما يجعل المساحة واسعة أمام الاجتهاد والتقدير، وكما قال الإمام أحمد: "أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس"[5].

3. الإنصاف في زمن الحرب

قال ستالين: "في الحرب لا مكان للموضوعية".

إن طبيعة الحروب والتدافع تمنع من النظر المنصف، وتلك طبيعة البشر التي يستحيل تغييرها، وقد رأينا في استعراض تاريخ الاستشراق كيف أن نضوج الاستشراق ودخوله في مرحلة البحث العلمي لم يأتِ إلا بعد تركيعنا والاطمئنان من ناحيتنا، في حين أن وقت اشتعال الحرب وتمثيل الخطر كان الاستشراق موغلا في الكذب والفجور، حتى لم يكن يُقبل من الآراء إلا ما يساهم في المعركة. ولم يكن "الجدل العلمي" حول تعريف القومية بين الفرنسيين والألمان "إلا صراعا سياسيا حول الإلزاس"، فيما يُجمله جلال كشك بقوله الوصفي: "في السياسة والاجتماع والفلسفة، لا يوجد ما يسمى بالنظريات العلمية، بل العلم هنا منحاز، والنظريات تعكس المصالح القومية أو الطبقية"[6].

أن طبيعة الإسلام العالمية التي هي فوق كل تصنيف قومي، بل وتوسيعه المفهوم القومي ذاته [انظر: خصائص التميز الإسلامي]، يجعل غاية المسلم إنسانية لا قومية ولا عرقية ولا طبقية، وهذا المنطلق هو الكفيل بجعل المستغرب لا ينسى العدل والإنصاف حتى وهو في الحرب، وقد كان أجدادنا في فتوحاتهم يلبسون دعاة وهم في ثياب الحرب، واجتمعت في فتوحاتهم الدعوة والرحمة مع القوة والرهبة، وكانوا أفرح باستجابة العدو للدعوة من فرحهم بالنصر. وبمثل هذه النفسية استطاع الفاتح عمرو بن العاص أن يتحدث عن صفات الروم الخمسة التي تؤهلهم للخلود حتى قيام الساعة.

ونحن في هذه اللحظة نعيش تهديدا وجوديا حقيقيا وخطيرا، ويصعب على المرء أن يكون محايدا في ظل ظرف كهذا، حيث أخبار القتل اليومي والمذابح الشهرية لا تنقطع، ولم يعد الغرب نازلا في أرضنا بجنوده وجيوشه فحسب، بل هو يسيطر على جنودنا وجيوشنا وأنظمتنا نحن حتى ليجعلها حقيقة وواقعا جزءا منه ومن نظامه، ثم زاد على هذا أنه يجعل الأجهزة الأمنية والعسكرية شبكات منفصلة عن النظم السياسية ومرتبطة به مباشرة، وبعد هذا كله فإنه يحتفظ في بلادنا بقوات خاصة للتدخل السريع، وهي القوات التي تعمل بلا أي تنسيق مع الأنظمة القائمة، ثم يستعين -خلافا لكل ما سبق- بشركات أمنية هي على الحقيقة منظمات مرتزقة تعمل خارج إطار القوانين مثل البلاك ووتر[7].. فهذا الاحتلال المتعدد الطبقات المتشعب الأذرع الذي نرث ثمرته مَقاتِل مستمرة بأيديهم وبأيدينا، يجعل أمر الإنصاف والعدل في دراستهم أمرا في غاية الصعوبة ينبغي على المستغرب أن ينتبه له ويضبطه.

نشر في ساسة بوست



[1] البخاري (6226)، ومسلم (22).
[2] مسلم (2865).
[3] الندوي: موقف العالم الإسلامي تجاه الحضارة الغربية ص10، 11.
[4] حسن حنفي: مقدمة في علم الاستغراب ص87.
[5] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 2/63.
[6] جلال كشك: القومية والغزو الفكري ص60.
[7] انظر:
Jeremy Scahill: Blackwater; The Rise of the World's Most Poewrful Mercenary Army (Nation Books, United States, 2007)
Nick Turse: America’s Black-Ops Blackout; Unraveling the Secrets of the Military’s Secret Military, January 7, 2014. (www.tomdispatch.com, LINK)
فهمي هويدي: ماذا يدبرون للثورة في الخفاء، جريدة الشرق القطرية بتاريخ 22/2/2011م.
حلقة إذاعية على (witf) ضمن برنامج (smart talk) بتاريخ 15/7/2013م. (رابط استماع، رابط تفريغ)